أقلام الثبات
ما يجري في لبنان حاليا من حملات مبرمجة "مسبقة الدفع" لساسة ومؤسسات إعلامية بالجملة، وتمويل برامج مختلفة، وكذلك تمويل اعلاميين بالمفرق، كاضافة تشويهية، تخريبية الى منظمات NGOs لم تعد مخفية المآرب، وبات الهدف المباشر معلنا، الا وهو المقاومة .
ليس مستهجنا، أن غالبية الذين يتصدرون حملة التشويه والتضليل، هم من حملة الجنستين ولا سيما الاميركية الى جانب اللبنانية، وبعضهم مولود في الولايات المتحدة، وعمل فيها ردحا من الزمن، وبعضهم من اكتسب الجنسية الاميركية، واقسم يمين الولاء للولايات المتحدة لنيل الجنسية، وبعض اخر يقدم الطاعة والولاء طمعا في نيل البطاقة الخضراء "غرين كارد"، وجميعهم يتحدثون عن السيادة والوطنية، واللازمة الشعرية، الديمقراطية، والحرية، كستار جميل لتقديم عرض الاقتناص بالسنارة.
من المهم جدا، ان يتوقف المرء امام الاستنتاجات التي خلصت اليها الاسبوع الماضي لجنة التحقيق النيابية الاميركية الخاصة، بشأن اقتحام مبنى الكونغرس اثناء جلسة التصديق على فوز جو بايدن بالرئاسة امام دونالد ترامب، ليس فقط للاطلاع، وانما لمعرفة مسألتين هامتين، وهما مسألتان يسترشد بهما ساسة في بلادنا، ومنتمون الى مجالات في تكوين الرأي العام كالاعلاميين، لا بل بلغت الوقاحة باولئك للمطالبة بمعاقبة وطنهم الاصلي – لبنان – انسجاما مع "الانتماء الكسّيب".
ان خلاصة الجلسة الاولى للجنة التحقيق، الاسبوع الماضي وضعت الاصبع على المسألتين المذكورتين دون ان تسمي اي منهما .
الاولى: وهي ما "فلقت" الولايات المتحدة، العالم كله بها، اي الانموذج "الديمقراطي" الاميركي، وهو النموذج الذي لفظ انفاس التسمية حتى، على ادراج المقر المفترض، الحاضن لتلك الديمقراطية، التي تستخدم غب الطلب ضمن معركة تشويه المفاهيم الحقيقية، فالجمهوريون اتهموا علانية لجنة التحقيق بانها منحازة للديمقراطيين، وتهدف الى تصفية حسابات مع الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو ما نطق به زعيم الجمهوريين في الكونغرس كيفين مكارثي، ليكون الرد من النائبة ليز تشيني، بان الجمهوريين الذين تنتمي لحزبهم يسعون ل"خنق او طمس الوقائع" .
والمسألة الثانية: تعكس حقيقة الثقافة التي سعت الولايات المتحدة، ولا تزال تسعى إلى تعميمها، حيث اعلن وزير الامن الداخلي اليخاندرو مايوركاس في في استنتاجه ضمن الجلسة الاولى للتحقيق " ان الارهاب المحلي من اكثر التهديدات فتكا بالولايات المتحدة حاليا"..
لا شك انه استنتاج واقعي استنادا الى ما يجري كل يوم في هذه الولاية او تلك، من عمليات قتل، غالبا لا تكون اسبابها المباشرة معلنة، على الأقل، حتى لا يقال انها غير معروفة، لكن اذا تم التدقيق قليلا، يمكن الجزم، ان غالبية الجرائم التي تحدث في المدن والارياف الاميركية، ناجمة عن تراكم ثقافي، لاإنساني، تعود جذوره الى غزو القارة من مجموعات قتلة، سموا انفسهم بمكتشفي القارة الجديدة الذين ابادوا سكان البلاد الاصليين، ومن ثم تطورت فنون عمليات القتل، في المخيخ السلطوي العنصري التسلطي، حتى بات ثقافة، وهو ما تعكسه حتى السينما والبرامج التلفزيونية الاميركية.
لم تكن اشتباكات الكونغرس معزولة عن تلك الثقافة، فقد عبر اكويلينو غوتل، وهو احد عناصر الشرطة الذي كان من عديد حامية المبنى، ان ما جرى "اشبه بمعركة من القرون الوسطى ".، وعلى هذه القواعد نسجت الولايات المتحدة، سياستها الخارجية، لابعاد الصدام الداخلي، والعودة الى حرب الشمال والجنوب، حيث لا يزال التنافر الاجتماعي على اشتداده.
اذا هذه هي الثقافة الاميركية، -لا ديمقراطية، تشويه، تضليل، اتهامات بلا سند، مراكمة، استقطاب ادوات محلية بلا مناعة وطنية، فتن، انتقام، فعدوان.
لقد طالب بعض حاملي الجنسية اللبنانية، ومن دون خجل، تشديد العقوبات على لبنان للانتقام من المقاومة، لا بل أن بعضهم، طالب بوضع لبنان تحت الفصل السابع في الامم المتحدة على خلفية انفجار المرفأ، من دون ان يرف له جفن، كما ان زوار السفارة الاميركية من السياسيين يروجون لذلك في مجالسهم الخاصة، فيما بعض المتذاكين، يرسلون الرسائل بانهم مضطرون لذلك.
لو كان لدى الولايات المتحدة التي ارسلت فريق تحقيق بعيد الانفجار مباشرة، شك بان الفاعل من المستورد الى حين الانفجار في 4 اب لا يدور في الفلك الاسرائيلي - الاميركي، لكانت أول المتهمين لحزب الله او حلفائه، لكنها في غاية الانشراح لاتهامات صبيتها الاستغلاليين من ضمن حملات التشويه المستمرة فصولا .
في الواقع لقد بلغ السيل الزبى، وهؤلاء يدفعون الى الفتنة دفعا، ولم يعد مقبولا، لا في العقل، ولا في مقولة التريث للاحتواء تحت عنوان هذا هو لبنان وهذه تركيبته، ان يتمادى حاملو الجنستين، او الطامحون لها، ان ينخروا في عظام الوطن، لنيل رضا اميركا التي تعمل من أجل رضا بني صهيون .
كثير من دول العالم، وبينها دول عربية لا تسمح بان يتبوأ حامل الجنسيتين اي منصب رسمي، او وظيفة عامة، لانه ببساطة لا يمكن توزيع قسم يمين الولاء والاخلاص والوفاء بين وطنين، فايهما سيختار ان حصلت مشكلة بين البلدين الذي ينتمي اليهما بالقسم قبل الهوية؟.
في الواقع ايضا، اننا في مشكلة كبرى مع الولايات المتحدة الاميركية، فهي تحاصر لبنان، وتمنعه من حل مشكلاته سواء الاقتصادية او المالية وحتى التموينية عبر مصادر لا رغبة لها فيها من ضمن عملية الاخضاع التي لن ترى النور، تلبية للغريزة الاميركية، واولئك الذين تيقنوا من ذلك من حاملي الجنستين، اختاروا بملء خضوعهم ووظيفتهم الانحياز الى الغريزة الاميركية، ضد بلدهم وشعبهم، لا بل ينادون بالعقاب الاميركي .
هذه هي المفارقة البسيطة، بين ان تتغنى بلبنان شعرا، وتنهش في جسد لبنان الوطن، وبين ان تكون مستعدا، للدفاع عن الوطن حتى الشهادة. لقد آن اوان رفع البطاقة الحمراء.