هل يجدد ميقاتي قديمه؟ ـ عدنان الساحلي

الجمعة 30 تموز , 2021 11:20 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

بدأ الرئيس نجيب ميقاتي جولات "التفاهم" مع رئيس الجمهورية ميشال عون، للوصول إلى تشكيل حكومة إختصاصيين وفق المبادرة الفرنسية. وسط شعور عام بوجود إمكانية لتشكيل حكومة تخلف حكومة حسان دياب المستقيلة.
 في حال شكل ميقاتي حكومته، هل نحن أمام حلول جدية للمشاكل المحدقة بلبنان واللبنانيين، أم أننا سنواجه مشاكل جديدة ستضاف إلى المشكلات القائمة، ليبقى لبنان وشعبه في متاهة هذا النظام، الذي إنتهى عمره الإفتراضي وخسر قدراته على تقديم حلول جدية للبنانيين، غير إستهلاك الوقت وإمتصاص الغضب، الذي بات طاغياً على وجوه وتصرفات أكثرية اللبنانيين، الذين يعانون من فقدان كل أسباب الأمان الصحي والإجتماعي والغذائي؛ والأهم أنهم باتوا يفتقدون الثقة بمستقبلهم في وطنهم، الذي يحرمهم حكامه وزعماؤه وأثرياؤه من أدنى مقومات وضرورات العيش. 
فالظروف الضاغطة اليوم، تتشابه مع تلك التي رافقت تكليف ميقاتي تشكيل حكومته الأولى سنة 2005، كانت حكومة "حيادية" مهمتها الإشراف على الإنتخابات النيابية. ولملمت أوضاع البلد بعد إنفجار كبير كارثي، قضى فيه رئيس حكومة سابق هو رفيق الحريري.
واليوم يتسلم ميقاتي مهامه ولبنان غارق في إنهيار مالي- إقتصادي خانق. ولم يلملم بعد أو يشفى من تداعيات إنفجار مرفأ بيروت، الذي دمر قسماً كبيراً من العاصمة وأودى بحياة المئات وجرح الآلاف من السكان.
في حكومة ميقاتي الأولى، شهدت البلاد إعتقال الضباط الأربعة تعسفياً بإيحاء سياسي خارجي وهم: اللواء جميل السيد، المدير العام السابق للأمن العام، اللواء علي الحاج، المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي، العميد مصطفى حمدان، القائد السابق للحرس الجمهوري والعميد ريمون عازار، الرئيس السابق لجهاز المخابرات العسكرية. بدليل إطلاق سراحهم وتبرأتهم بعد أربعة أعوام، مما شكل إعترافاً بأن إعتقالهم كان قراراً سياسياً وليس قضائياً.
كما جرى تسليم ناصية القضاء الى المحكمة الدولية، التي كلفت لبنان قرابة مليار دولار، من دون أن تتوصل إلى نتيجة بعيدة عن التسييس الذي رافق تشكيلها وكل قراراتها. وهيأت حكومة ميقاتي تلك، الأرضية لحكومة فؤاد السنيورة، التي نالت رقماً مميزاً في الهدر والسرقات، وصولاً إلى دفع البلاد إلى حافة حرب أهلية، من خلال قرارتها في الخامس من أيار 2008، التي أنتجت ردة فعل 7 أيار.
واليوم يتكرر المشهد، حيث تجري مساع محمومة لنقل ملف إنفجار مرفأ بيروت إلى المحكمة الجنائية الدولية، المقصود منها تسييس التحقيقات ودفع البلاد إلى خيارات سياسية، قد تؤدي إلى عنف وصدامات داخلية، في تلبية لرغبة خارجية، تعتبر أن أي عملية عسكرية "إسرائيلية" ضد المقاومة في لبنان، تحتاج إلى عملية إلهاء داخلية، تحاصر المقاومة بين فكي الفتنة والعدوان الصهيوني. فهل يجدد ميقاتي سيرته ويضع لبنان تحت سيف تدخلات مخابرات الدول الكبرى، التي تتحكم بكل ما له علاقة بالمؤسسات الأممية. 
والذي لا يقل أهمية في هذه العجالة، أن خيارات الميقاتي الإقتصادية محدودة، بسبب إرتباطاته ومصالحه مع الدول الغربية. فليس من المتوقع أن يغامر ميقاتي بمصالحه ويتجه بلبنان نحو الشرق، لإيجاد حلول للأزمات المالية والإقتصادية والخدماتية الضاغطة على اللبنانيين. بل هو، كمعظم الطاقم السياسي الذي يتناوب على الحكم، أسير الخيارات الغربية وشروطها للإمساك بالقرار اللبناني؛ ودفع لبنان للإنضمام إلى "المطبعين" مع العدو "الإسرائيلي" والقبول بمطالبه ومطامعه؛ وبالإملاءات الأميركية المتبنية لتلك المطالب والمطامع، في الأرض والمياه والنفط والغاز؛ وفرض توطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين ونزع سلاح المقاومة.
ومن هذه الزاوية، يراهن الرافضون لخيار القبول بعروض المشاريع والمساعدات الروسية والصينية والإيرانية، على الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي، التي بذاتها تشكل قنابل موقوتة، ستنفجر في وجه اللبنانيين وأياديهم. لأن الإستمرار في سياسة الإستدانة يوصل إلى بيت القصيد وهو بيع أملاك الدولة ومؤسساتها، في مواصلة للسياسة المالية الحريرية، التي أوقعت لبنان في مستنقع ووحول الديون، لأن لبنان عاجز في وضعه الحالي عن دفع فوائد تلك الديون وليس عن إيفائها فقط. فهل يكون الحل بالمزيد من الديون، أم بالبحث الجدي في تغيير السياسة الإقتصادية المتبعة منذ ثلاثين سنة والتي أدت إلى الكارثة التي نعيشها.
وبعيدا عن ملف الفساد الذي يطال الميقاتي، مثلما يطال كل السياسيين الحاكمين والمتزعمين والنافذين في لبنان، فإن ميقاتي لن يخرج عن خط من سبقه، في الحرص على عدم إغضاب الأميركيين والسعوديين ومسايرتهم في ما يريدونه من لبنان. إضافة إلى أن لميقاتي علاقات متينة ومصالح مع المسؤولين الفرنسيين، فهو قبل كل شيء رجل أعمال شديد الثراء، مما يجعله على اتصال بالنخب المالية اللبنانية والعربية والدولية، التي ترتبط بالغرب ومصالحه وبمن يتبعه من الحكام العرب الأثرياء. هذا الغرب المنقاد للإرادة الأميركية ومعه أغلب الحكام العرب، يساهمون بشكل أو بآخر، في الحصار المضروب على لبنان وفي العقوبات التي يتوالى فرضها عليه منذ أعوام عديدة .
هذا الواقع يخفف من وهج التفاؤل المصطنع المرافق لتكليف ميقاتي، لأن حكومته الموعودة، ستشرف على الاستحقاقات المنتظرة، مثل الانتخابات النيابية والاستحقاق الرئاسي، الذي قد لا يكتمل بسبب الخلافات السياسية. وفي هذه الحالة، فإن حكومة ميقاتي قد تحكم بلا رئيس جمهورية، في حال انتهاء ولاية الرئيس عون من دون بديل. وسيكون تأثيرها أساسياً في تحديد إسم الرئيس الجديد. مما يؤكد أن الكباش في تشكيلها سيكون مختلفاً عما نراه مصطنعاً على شاشات التلفزة. وقد بدأت بوادر الخلاف حول وزارتي الداخلية والعدل، فللوزارتين دور مفصلي في التطورات المقبلة، إن لجهة التحقيقات في إنفجار المرفأ، أو لجهة أن وزير الداخلية في مرحلة الفراغ الرئاسي، سيكون الحاكم الفعلي للبلد، تخضع له المؤسسات الأمنية والعسكرية اللبنانية كافة.
وهذه النقاط المختلف عليها، إضافة إلى المحاصصة الدائمة في كل كعكات الحكم، هي خطوط تماس الإشتباك المقبل، حيث يرجح كثير من المراقبيين أن يكون هدف الساسة اللبنانيين تقطيع الوقت، بابتسامات الميقاتي والكلام الإيجابي المتبادل بينه وبين عون. وأن مهلة الشهر الجاري الحديث عنها للتشكيل أو لاعتذار ميقاتي، ما هي الا للقفز فوق تاريخ 4 آب لاحتواء تحركات الشارع الجاري التحضير لها؛ وللتخلص من الضغوط الخارجية؛ وبعدها يخلق المعطلون والمتحاصصون ما لا تعلمون.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل