أقلام الثبات
قبل يومٍ من الإستشارات النيابية، شاء نادي رؤساء الحكومات السابقين استباقها من بيت الوسط، بتزكية نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة، في رسالةٍ الى اللبنانيين، أن أي "والٍ" يدخل السراي، عليه نيل رضى "كبير وُلاة أهل السُنَّة" سعد الحريري، سيما وأن أعضاء ذلك النادي ليسوا أكثر من "باش كتبة" في بلاطه ولكن، مهما عَلَت عتبة آل الحريري، فإنها لا تعلو على الباب العالي الإقليمي الذي يختلف الآن عن ذلك الذي كان يبحث عنه سعد الحريري بين الإمارات ومصر وتركيا، وعادت المملكة السعودية مع ميقاتي باباَ عالياً لا يُعلى عليه في ولائهم!
وبصرف النظر عن تاريخ وأداء نجيب ميقاتي، فإن الرجُل جاء نتاج استمرار المبادرة الفرنسية، التي كانت آخر ملامحها الإتصالات المباشرة للفرنسيين مع حزب الله، الذي سمَّى ميقاتي صراحة في الإستشارات، والمبادرة الفرنسية عبرت الحدود اللبنانية مروراً بالرياض ودمشق، ومَن كان يقول بانتهائها دون أن تُثمِر رئيساً مكلفاً وتحديداً قبل 4 آب فهو مخطىء، لأن لبنان هو الساحة الوحيدة الباقية لفرنسا في الشرق الأوسط، و"المُطوَّب" لها بمباركة أميركية ورغبة إقليمية وقبول الغالبية الساحقة من القوى السياسية الداخلية، خصوصاً أن الدور الفرنسي تخطَّى العلاقات التاريخية مع المسيحيين وبات المبعوث الفرنسي ضيفاً مُرحَّباً به في الضاحية، فيما المسيحيون يرفضون تسمية أحد ضمن سياق انتحار سياسي لا مبرر له!
و"الباب العالي" الإقليمي، أمضى سعد الحريري تسعة أشهرٍ في البحث عنه غطاءً بديلاً عن السعودية، وقرع مراراً أبواب الإمارات ومصر وتركيا، وجميعها لا توصله الى باب السراي، لأن الشارع السُنِّي اللبناني لا يُدين بالولاء للإمارات، وهجر مصر منذ أفُول الناصرية، وتركيا لا تمتلك أكثر من زواريب حرتقة في طرابلس وخلايا تشويش في طريق الجديدة، ولا جهة استطاعت سحب البساط من تحت أقدام المملكة حتى ولو استضافت بعض اللبنانيين في خيمة السفير البخاري.
توقَّف الزمن بسعد الحريري عام 2012، وما زال ينتظر استخدام مطار دمشق بعد سقوط الأسد، ولم يرَ لغاية الآن القوافل الخليجية وعلى رأسها السعودية واقفة على بوابات الشام، وأن كل تأثيرات الملف النووي الإيراني على الوضع اللبناني ترتبط بالتفاهم - ولو غير المباشر - بين طهران والرياض، وهذا ما يحصل منذ ما قبل تكليف الحريري، وأن أميركا ترامب قد أفُل نجمها، وانسحبت أميركا بايدن من افغانستان وسوف تنسحب من العراق مهزومة في الجبهتين، وما زال الحريري يُغرِّد خارج سرب التوافقات الإقليمية التي أرساها محور المقاومة من طهران الى القدس، والسعودية التي تُبارك تطبيع البحرين والإمارات مع العدو الإسرائيلي تحت الطاولة، هي في نفس الوقت تُفاوض فوق الطاولة وتحتها للعودة الى رحاب سوريا من منطلق البراغماتية السياسية.
مقابل البراغماتية الإقليمية في مقاربة ملفات التوافقات، تتجلَّى السطحية اللبنانية لدى البعض مِمّن رفضوا تسمية ميقاتي، وهم بالمبدأ على حق برفض تجربة المُجرَّب ولكن، عندما يتحاشى الثنائي الشيعي الصدام السنِّي – الشيعي، ويرتضي بمَن ترضاه المرجعيات السنِّية "والياً" على السراي، فإن ترف الوقت لم يعُد ينهش فقط من ولاية العهد، بل من هيبة كل القوى السياسية والحزبية عشية استحقاق الإنتخابات النيايبة، خصوصاً أن أجساد اللبنانيين لم يعُد فيها ما يُنهش، وباتوا كما المتسوِّلين على أدراج السلاطين وآخر همومهم من يكون السلطان الإقليمي ولا الوالي اللبناني...