أقلام الثبات
يروى أنه في عهد الرئيس كميل شمعون في أواخر خمسينيات القرن الماضي، تعرض انتاج التفاح اللبناني إلى الكساد، مما هدد حياة آلاف المزارعين اللبنانيين، فاستدعى شمعون إليه السفير الأميركي روبرت ماكلينتوك، طالباً منه أن تستورد واشنطن انتاج التفاح اللبناني، فرد ماكلينتوك: "نحن يا فخامة الرئيس موردون للتفاح"، فرد شمعون: إذا لتستوردوه لصالح الأسطول السادس، الذي يجوب البحر المتوسط، والذي كان قد لبَّ دعوة الرئيس شمعون بالنزول على الشواطئ اللبنانية، تنفيذ لمبدأ ايزنهاور الذي قرر الرئيس اللنباني انئذ الانخراط فيه، لكن السفير ماكلنتوك رفض.
وهنا، ورغم أن الرئيس شمعون كان من مؤيدي "حلف بغداد" ثم "مشروع ايزنهاور"، وبدأت تتكون معارضة واسعة ضد عهده انتهت بثورة، خاطب الرئيس شمعون على مسمع السفير الأميركي مدير مكتبه قائلاً: أطلب لي السفير السوفياتي، فالتفت ماكلينتوك إلى الرئيس شمعون قائلاً: فخامة الرئيس: سنشتري كامل انتاج تفاحكم.
نسوق هذه الحادثة أمام العروض العديدة التي قدمت للبنان من الصينيين والروس والإيرانيين ... وربما غيرهم أيضاً.
فالصينييون ابدوا افتتانهم بالموقع الحيو-اقتصادي، والموقع الحضاري للبنان لأنه واجهة الشرق الأوسط وهم قاموا بتطوير مرفأ حيفا، لكن صعوبات شتى تحول دون تحويله إلى مرفأ أقليمي، ورأوا أن مرفاً بيروت يمكنه أن يكون المرفأ المركزي في المنطقة.
كما طرحوا موضوع إنشأ مصرف صيني في بيروت، يفتح قنوات التعامل مع الأقليم، وقدم الصينيون عروضاً استثمارية تتخطى 12 مليار دولار، من خلال مشروعات تطلق دينامية اقتصادية.
لكن سياسيين لبنانيين رفعوا "الفيتو"، سياسيون يدينون ببقائهم للمظلة الأميركية، وبإيعاز أميركا تتولى دول خليجية تمويل أحزاب أخر زمان وللعلم فقط، فإن للصينيين تريليونات الدولارات على الولايات المتحدة.
أما العروض الروسية، فقد جاء إلى لبنان وفد روسي استثماري مرتين وقدم عروضاً مساعدة للبنان عن طريق مشاريع نفطية، وأخرى متعلقة بالطاقة الكهربائية، وعروض حول مرفأي بيروت وطرابلس.
وقد أبدى الوفد الروسي رغبة في العمل على 7 مشاريع تعد "إنقاذية" للبنان، تشمل إعادة إعمار مرفأ بيروت، وتحديث مرفأ طرابلس"، حيث أن شركة "Hydro engineering and construction" الممثلة داخل الوفد، تحظى بتوجيه ودعم من الحكومة الروسية، وهي تضم هيئات تمويلية وهندسية متخصصة.
كما أبدى الوفد الروسي رغبته ببناء 3 محطات لتوليد الطاقة، بالإضافة إلى تأهيل مصفاتي نفط، في الزهراني وطرابلس (البداوي)".
وعلم أن الجانب الروسي قدم للبنان اقتراحا فنيا للمصافي بحيث تتمكن من تغطية الطلب المحلي الكامل للبنان وأن الخبراء (الروس) سيطلعون على المرافئ وسيتواصلون مع المعنيين (اللبنانيين) لبحث العروض".
أما العروض الإيرانية فهناك سبعة عروض إيرانية تمّ رفضها برعاية المناكفات السياسية اللبنانية التي ما تزال تمعن في تعطيل أيّ محاولات ومبادرات لتحسين واقع الكهرباء المزري، والذي يزداد سوءًا مع الوقت.
فمنذ سنة 2006 تكرر طهران إيجابياتها، بغض النظر عن الموقف اللبناني. مجموعة مبادرات جديّة تتكرر من الطرف الإيراني مع اختلاف التفاصيل الداخلية، وكل مرّة هناك من يعرقل كل محاولة لتبني أيّ من المبادرات ووضعها على سكّة التنفيذ.
العرض الأخير كان عام 2020، خلال زيارة رسمية لرئيس مجلس الشورى الإسلامي السابق في إيران علي لاريجاني إلى لبنان ، حيث جدّد في لقاءاته التي عقدها مع المسؤولين اللبنانيين، لا سيّما مع الرؤساء الثلاثة استعداد إيران لمدّ يد العون للبنان في مجالات اقتصادية عديدة.
تحدث لاريجاني يومها عن استعداد بلاده لتحسين ملف الكهرباء عبر تنفيذ معامل انتاج كهرباء بمواصفات مميزة واستثنائية تناسب الجغرافيا اللبنانية، كذلك تأسيس معامل أدوية، أو رفد لبنان بالأدوية الإيرانيّة، وتزويده بالمشتقات النفطية المتنوعة بأسعار مدروسة وجودة عالية، وغيرها من التفاصيل في مجالات أخرى.
وقد تمّ رفض العرض الإيراني بطبيعة الحال بسبب المخاوف من احتمال أن تقوم الولايات المتحدة بفرض عقوبات على قطاعات مصرفيّة واقتصاديّة لبنانيّة.
وبشكل عام فإن العروض التي أتى بها السياسيون الإيرانيون على مدى أعوام كانت جديّة وتحمل مشاريع كبيرة كفيلة بتحسين واقع الكهرباء. حيث إنّ المعامل التي كان مقررًا إنشاؤها تمتلك مواصفات عالمية في الجودة من حيث الإنتاجية وبتكلفة مدروسة جدًا تراعي الوضع الاقتصادي اللبناني. وكمرحلة أولى كانت هذه المعامل على استعداد لإنتاج حوالي 1000 ميغاوات سنويًا على أن تزيد كمية الإنتاج مع مرور السنوات. ومن هذه الشركات التي كانت مستعدّة لتشغيل المعامل، شركة "سيمنس"، وشركة "مبنا" التي لها تجارب رائدة وأساسية جدًا في تشغيل أهم المعامل.
ووفقاً للمعلومات فإن الأمر وصل إلى حدّ أنّ الايرانيين فاتحوا بعض اللبنانيين في بعض المراحل أنهم مستعدون ليس للقبول بسعر الكلفة، بل الى أكثر من ذلك، وصولًا الى تقديم نوع من الهبة، في محاولة لإبراز حسن النوايا والحرص الذي تبديه إيران تجاه لبنان.
ومن باب العلم ليس إلَّا، فإن وزير الموارد المائية والكهربائية في العام 1993 جورج افرام، كان قد اتفق مع الألمان على إصلاح وتطوير الكهرباء في لبنان في مدة زمنية محدودة، لكن افرام وهو في طريق عودته إلى بيروت علم بتحويله من وزير موارد إلى وزير دولة، فرمى في وجههم استقالته من الحكومة الحريرية الأولى.