أقلام الثبات
بانتظار الإثنين المقبل الذي حدده الرئيس ميشال عون موعداً للإستشارات النيابية المُلزمة، تبدو بورصة الأسماء المتداولَة عادية ولا تحمِل جديداً، ولو أنه نُقِل عن الرئيس نجيب ميقاتي رفضه تشكيل أية حكومة في الوقت الحاضر نتيجة الوضعين الإقتصادي والإجتماعي، اللذين يمنعان أي رئيس حكومة من تحقيق إنجازات، وميقاتي من أهل البيت ويعرف "البير وغطاه" في السلطة ولكن، لكل مرشَّح آخر مطروح إسمه ظروفه وفُرص وصوله، ولو أن تمام سلام يُعتبر وكيلاً عن بيت الحريري لإدارة التفليسة السياسية للشيخ سعد قُبيل استحقاق الإنتخابات النيابية التي يُهدِّد بها للإنتقام من خصومه وفي طليعتهم التيار الوطني الحر.
الأسماء الثلاثة الباقية حتى الساعة: نواف سلام، فؤاد مخزومي وفيصل كرامي، يجمعها قاسم مشترك كبير جداً، وهو أنها خارجة عن نهج الحريرية السياسية، ووصول أحد من الثلاثة الى رئاسة الحكومة، يعني تكرار الإنتفاضة على هذه العائلة بعد تجربة حسان دياب، ولو أن المرجعيات الخارجية الداعمة لكل منهم تختلف، بين نواف سلام "الأميركي" وفؤاد مخزومي "السعودي" وفيصل كرامي "السوري" نسبةً لما يُعلن عن الجهة المؤيدة لوصول كلٍّ منهم، وليس تشكيكاً لا سمح الله بلبنانيتهم.
ليس الإرث الذي تركه الرئيس سعد الحريري في مسألة فشل تشكيل الحكومة، ينحصر في الخلاف على المحاصصات الداخلية، بل في الأجواء السياسية الإقليمية المُتناقضة التي كانت تُحلِّق بها طائرته، بين الإمارات وتركيا ومصر مع تعريجة على قطر، وبدأ وكأنه ذلك السنِّي اللبناني "المقطوع من شجرة" والباحث عن مَن يتبنَّاه كإبنٍ ضال عن المظلة السعودية، لكن الحريري احتار وحيَّر الجهة المُتبنِّية، بين مرجعية سُنِّية موالية لجماعة "الربيع العربي" على النهج الأخواني مثل قطر وتركيا، وبين مرجعية رافضة لهذا النهج مثل الإمارات ومصر، وكلتا المرجعيتين تُغضِب المملكة التي كانت الحضن الدافىء لآل الحريري.
ووسط سياسة النكران لقيمة الشارع السني اللبناني في تحديد الدور السياسي، انهارت أسهم سعد الحريري في شارعه رغم أنه لا زال الأقوى، لكنه لم يعُد الأوحد، وخسِر ثقة الثنائي الشيعي الذي حمل لواء تزكيته عن سواه إن لم يكُن بالتسمية فبالدعم وتسهيل المهام، وخسارة الشارع المسيحي بطرفيه: عداوة مع التيار وخصومة مع "القوات"، مع امتعاض درزي من " سياسة النطنطة" التي انتهجها الحريري مؤخراً لدرجة أن وليد بك لم يُعد قادراً على النطّ خلفه والإستدارة معه!
ولم تعُد مسألة تسمية الشخص في الإستشارات النيابية هي المشكلة، بعد ارتكابات "الرايح الذي كتَّر القبايح" في مسألة الثقة بشخصه، وبإمكان الرئيس عون أن يكون مرتاحاً في هذه الإستشارات كائناً مَن كانت الشخصية المُسمَّاة من النواب، والبلد دخل مرحلة "قصقص ورق ساويهم ناس"، مطلق ناس في رئاسة الحكومة وتشكيلة الوزراء، لأن الوقت ضاق كثيراً أمام العهد، ولم يعُد لدى الرئيس ما يخسره بعد الذي استقطعه الحريري من ولايته في ملاعب التأليف والإعتكاف والإعتذار، وكائناً ما كانت هوية الخَلَف، "أميركياً" أم "سعودياً" أم "سورياً"، فإن اللبنانيين سوف يحكمون على الأداء الذي ينتشلهم من الهاوية، وهُم بحاجة الى مَن يشبه حسان دياب الطالع من مدرسة سليم الحصّ، وأستذكر هنا ما سمعته شخصياً من مرجعية عُليا سابقة أذكرها دائماً بالخير: "لا حاجة لأن يترأس رئيس الجمهورية جلسات مجلس الوزراء إذا كان رئيس الحكومة هو الدكتور سليم الحص، لكن كان عليه أن يترأس كل جلسة لحكومات المرحوم رفيق الحريري لأن في كل جلسةٍ صفقة" ...