أقلام الثبات
لا يشك احد في العالم، ان لبنان يهوي بسرعة في بئر لا قرار له، ولو ان بعضاً من تفاؤل، يلوح أثناء السقوط، بأن القاع أصبح وشيكا ليحدث الارتطام الكبير، ليتوقف السقوط اولا، ومن ثم تبنى خطة علاج للحطام، وإعادة تركيب تكون املا لمراحل اخرى، بغض النظر اذا كانت بخطى متسارعة، او بطيئة.
لا يبدو ان القوى السياسية اللبنانية والاقتصادية الممسكة فعليا، بزمام تشكيل الحكومة، مع أبعادها الخارجية، والرهانات على استرضاء الخارج - والمقصود هنا دول خليجية وغربية تتحكم بقراراتها الولايات المتحدة الاميركية -، تستعجل الخروج من الواقع المرير، او التقاط اليد التي مدت اليها لاخراجها من الهاوية، ليس من اجلها، وانما من اجل انتشال ما تبقى من البلاد، ووقف الانهيار المريع الذي لن يدفع ثمنه سوى لبنان الوطن وشعبه، دون الطبقة السياسية المروعة .
لقد تعاملت القوى السياسية بغالبيتها، مع الأزمة غير المسبوقة، كمغامرة "الروليت الروسية"، ولكن لم تصوب المسدس الى صدغها، وانما على لبنان كله، بعد ان استنفذت الرهانات على لي يد كل فريق ذراع شريكه، باعتبار انه غريمه، ويمكن القول انه عدوه، بينما العدو الحقيقي للطرفين يقهقه سرورا من خفة الادراك الوطني للمتصارعين على "الانا"او لا أحد في ظل الافتقار الى برامج اقتصادية واجتماعية، أو خطة سياسية وطنية دون ربطها باسترضاء الخارج، وانتظار حل يأتيهم، كمن "ينتظر الدبس من قفا النمس".وبالتالي يستحيل أن يشكّل مخرجاً من الأزمة الراهنة.
لقد مل الشعب اللبناني الرهانات العقيمة، بعد أن بلغ الضيق مبلغه. فلا كهرباء، ولا ماء، ولا صحة، ولا بنية تحتية، ولا أفق بإنقاذ مأمول. الدولة اللبنانية في خطر، ولا تحتمل أي مراوغات سياسية، لشد عصب جمهور هنا، وجمهور هناك، وكل الجمهمور تحول ضحايا لعبة انعدام المسؤولية الوطنية، ونصب الكمائن المتبادلة .
لقد ابدى مسؤولون عرباً وأجانب، استغرابهم من اعتذار سعد الحريري تشكيل حكومة النفس الأخير، أو بالأحرى كان هروبه من استحقاق كان يشكل فرصة للم شمل يؤسس للبحث عن حل.
ان من ضيع في الاوهام، 9 أشهر لتشكيل حكومة، ويهرب بالطريقة التي حدثت، يؤكد بنفسه، ان الارادة السياسية تدور في حلقة مغلقة، لا يريد نفسه الخروج منها، ولو ان رائحتها تصل الى أبعد الحدود، ولا يريد بصيغة الفعل، وإنما باللامنطق في رد الفعل، انطلاقا من مفاهيم خاطئة بأن الأسلوب نفسه من ضمن تكتيك آسر، وهذا التكتيك بات هرما، وعاجزا لانه لا يتضمن حسابات المخاطر، بينما لبنان في أمس الحاجة إلى إرادة سياسية للحل، خارج المعتمد من الأطر البالية، مع الاخذ بالاعتبار كل المخاطر التي تحملها اي خطوة وفي أي اتجاه.
لقد صوب الحريري غالبية سهامه على حزب الله من أبواب عدة لا يمكن ان تقنع رضيعا في السياسة والاجتماع، معتبرا ان الحزب لم يضغط كفاية على الرئيس ميشال عون، وان "المشكلة أن ميشال عون متحالف مع حزب الله، وميشال عون مرتاح على حاله، هذه هي المشكلة، "واللي ما يشوفها يكون أعمي". من دون ان يستدرك هفواته بان الطرفين هما من انقذاه من بين اسنان التمساح السعودي، وهما مع غيرهما أراداه شريكا حقيقيا في الدولة، لا متغولا، او مستأثرا، ولامتأثرا بنصائح الذين طالما ورطوه بما لا قدرة له عليه .
من المعتقد ان الازمة في لبنان ستشهد فصولا اخرى من التعقيد، ووضع العصي أمام عربة التأليف، ومن بينها ان الحريري جزم سلفا انه لن يشارك في الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار من يمكن ان يشكل الحكومة، وهذا يعني سلفا، انه متمرد على الدستور والقوانين، وعلى التكليف الشعبي الذي حازه في الانتخابات، وهو يعني انه يحطم بيديه ملكا كان مصانا، وربما حكرا، وسيبكيه لانه سيكتشف ان الجمهور الذي جركته حنكة والده يوما، ولو باساليب غير محببة أحيانا كثيرة، لن يتمكن هو من السيطرة عليه، وتحريكه.
وبالمقابل، لا يزال في لبنان عقول ليست بالسذاجة التي تتعامل مع الجمهور، على انه قطيع يتحكم به الراعي، وهي عقول طالما صدق اصحابها من دون ان تصنع امالا فضائية، بل كانت دوما بوصلة للعقل، والحفاظ على الوطن، وعلى الخصوم قبل الحلفاء، ولذلك فان الأمل في انتشال الوطن من هوة النفق لا زال برعما سينمو حتما. اما الامر الغاية في العجلة، فهو اجراء الاستشارات النيابية، وعلى القوى الحريصة على الانقاذ، ان تبادر الى حكومة يمكن لرئيسها ان يضع أصبعه في عين السفارة الاميركية وأعوانها من الذين ساهموا في حصار لبنان اقتصاديا وسياسيا ودوائيا، لانه بغير ذلك سيكون الطوفان، والخسارة تكون أكبر، وحينها لابد من حكومة حسان دياب الذي عليه مغادرة منطقة الجمود.