أقلام الثبات
مباشرة بعد احداث 11 أيلول 2001، اعلن الرئيس الأميركي جورج بوش الابن "الحرب على الارهاب"، وهي استراتيجية كبرى تتضمن العديد من الوسائل التي لم تكن مستعملة في وقت سابق، إذ قام الاميركيون بتدخل عسكري مباشر في منطقتين، في أفغانستان والعراق، واستطاعوا الحصول على قرار مجلس الأمن رقم 1373 ، والذي أتاح لهم فرض عقوبات وتتبع حركات الاموال والاشخاص حول العالم بحجة دعم الارهاب.
وبالرغم من اعتقاد الأميركيين أن وجودهم في المنطقة، سوف يشكّل ضغطاً على ايران وتهديدًا عسكرياً لها، لكن بعكس المتوقع، استفاد الايرانيون من قدوم الأميركيين الى العراق، واستطاعوا الاستفادة من الفراغ الأمني والاقتصادي والسياسي التي خلقه التدخل الأميركي والاطاحة بصدام حسين، فأسرعوا الى ملء هذا الفراغ عبر تقديم الدعم للقوى السياسية الشيعية المعارضة والتي كانت قد استقبلتها ومنحتها حق اللجوء السياسي قبل عام 2003 ما جعلها على علاقة وثيقة مع الحكومات المتعاقبة على حكم العراق.
أما في المرحلة اللاحقة، وبالرغم من التهديد الذي شكّلته داعش للقوى السياسية العراقية، وبالرغم من تشكيل التحالف الدولي بقيادة الاميركيين لمواجهة داعش، إلا أن الايرانيين استطاعوا الاستفادة من تبدل الظروف وحوّلوا التهديد الى فرصة لتشكيل قوى عسكرية موازية للجيش العراقي الذي أسسه الأميركيون (الحشد الشعبي) استطاعت ان تفرض نفوذاً أمنياً وسياسياً في مرحلة ما بعد داعش في العراق.
واليوم، وبينما يتجه الاميركيون الى الرحيل عن أفغانستان، يحاول الايرانيون استخدام ما يملكونه من نفوذ لمنع عودة أفغانستان الى الحرب الأهلية، وبالرغم من القلق من عودة أفغانستان الى سيطرة طالبان، وهي الحركة التي لطالما شكّلت تهديداً للايرانيين، ولكن التغيير في الخطاب الايراني يشي بأن البراغماتية الايرانية ستسيطر على المشهد الأفغاني كما في العديد من المناطق الأخرى.
ونرى مشاهد البراغماتية الايرانية من خلال ما يلي:
- تحريم الاقتتال: كان قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني كان قد ساهم في تأسيس "لواء فاطميون" عام 2013 وفيه تمّ تجنيد مجموعة من الأفغان الشيعة (أقلية الهزارة)، واكتسبوا خبرة قتالية في المشاركة في المعارك في سوريا، ثم عادوا الى أفغانستان فيما بعد.
وكان عدد من الاعلاميين المحسوبين على المرشد الايراني وعلى الحرس الثوري، قد اعتبروا أن قيام الشيعة بالاقتتال مع طالبان هو خطأ كبير لأن "طالبان غيرت مسارها ولم تعد تذبح"، و زعموا ان الاخبار التي تثير قلق الشيعة في أفعانستان وأن الحركة تنوي "القيام بإبادة جماعية ضد الشيعة وضربهم" يعني أن "الولايات المتحدة تلجأ إلى إثارة الحرب المذهبية كأفضل خيار للقضاء على الأمن في أفغانستان".
- رعاية حوار أفغاني بين طالبان والسلطات الحاكمة، والتأكيد على أولوية الحل السياسي، بالرغم من أن طالبان استمرت في هجومها للسيطرة ميدانياً على مزيد من الأراضي.
وفي هذا الاطار، ينظر الايرانيون بحذر الى حكم طالبان لأفغانستان، لكنهم سيتعاملون ببراغماتية شديدة وسيحرصون على أن لا تسمح طالبان بتزايد نفوذ تنظيم "داعش" في أفغانستان، وتتعهد بالحفاظ على العرقية الفارسية والأقلية الشيعية وعلى المكاسب التي اكتسبتها في وقت سابق ومنها الاعتراف بالمذهب الشيعي الى جانب المذهب السنّي في الدستور الافغاني، واحترام الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعها الايرانيون في مجالات التجارة والطاقة والكهرباء مع الجانب الأفغاني. وبالرغم من أن العديد يرى صعوبة قيام تحالف بين طالبان وايران، نجد أن لا شيء يمنع ذلك، فها هي حركة حماس التي انخرطت في القتال ضد الجيش السوري، أعاد الايرانيون وح ز ب الله علاقاتهم معها الى سابق عهدها (قبل الحرب السورية) وأعادوا تمويلها ودعمها عسكرياً.