أقلام الثبات
يقول اللبنانيون في أمثالهم :"من قلّة الرجال ننادي الديك يا أبا علي". ويبدو أن حاكم المملكة السعودية، من ندرة الأتباع اللبنانيين الفاعلين لديه، بعد إستبعاده لسعد الحريري، ألبس رئيس حزب "القوات" سمير جعجع، ثوب زعامة وهابية وسلفية بدلاً عن ضائع، على الرغم من مسيحيته ومارونيته المتطرفة، ليكون رجل السعودية في لبنان، في سعي حاكمها لتثبيت نفوذه في بلدنا؛ ومحاربة أعداء حلفه المعلن مع العدو "الإسرائيلي"، تحت خيمة تبعيته للسياسات الأميركية، بغض النظر عن تبدل الإدارات والرئاسات في واشنطن، أو توارث الملوك في الرياض.
عاقبت السعودية سعد الحريري لأنه فشل في تخليصها من "حزب الله" في لبنان، بعد أن صرفت له ولوالده من قبله، مليارات الدولارات؛ وأوصلتهما إلى قمة دورهما المالي والسياسي. وتخلصت من الأول إغتيالاً بعد أن بات دوره التنسيق اليومي مع الحزب. واعتقلت الثاني وكادت أن "تخوجقه" أو "تنشره" (مثلما فعلت بالخاجقجي)، لولا تدخل القيادات اللبنانية والضغوطات الدولية والإقليمية التي أنقذته من أيدي أميرها. فحزب الله شكل وما يزال عقبة كأداء، في وجه الوظيفة الخفية سابقاً للقيادة السعودية والسافرة حالياً، في ترويجها وعملها للإعتراف بالعدو "الإسرائيلي" وإخراج العرب من الصراع معه؛ والتنكر لفلسطين وقضيتها وشعبها المشرد، بفعل الغزوة الإستيطانية الصهيونية، التي إستهدفته وما تزال تستبيحه: قتلاً وتهجيراً ومصادرة للبيوت والمزارع ولكل أسباب الحياة.
وبلغت الخفة بحاكم السعودية محمد بن سلمان أنه قال منذ أيام: "مشكلة لبنان بسيطة، انزع سلاح حزب الله وترجع لبنان أحلى من باريس". في حين عبّر إعلامه عن حالة إفلاس سياسي وعقائدي، عندما دعت إحدى أبرز صحفه اللبنانيين "إلى التطبيع" مع العدو "الإسرائيلي" والقبول بما أسمته مساعدات "إسرائيلية" لمواجهة "حزب الله".
وبغض النظر عن إمكانية تحقيق حلم إبن سلمان بنزع سلاح المقاومة في لبنان، من حق اللبنانيين سؤاله عما فعلت مملكته لكل من مصر والأردن وياسر عرفات، الذين تجاوبوا مع السعي والضغط السعودي لإنهاء الحرب مع العدو "الإسرائيلي"، فهل حصلت مصر على الرخاء وأصبحت سيناء جنة خضراء، حسب ما وعد حكام المملكة وإعلامها المصريين قبل "كمب ديفيد" المشؤوم، أم أن معاناة المصريين وفقرهم إزدادا خلال حكم أنور السادات وبعده؛ وهمش دور مصر وخسرت موقعها العربي والإقليمي. وها هي تحصد نتائج هذه السياسة؛ وهي على شفير خسران مياه النيل شريان حياتها، بفعل سد النهضة الأثيوبي. وهي عاجزة عن المواجهة وحماية حقوقها، تحت أنظار اللامبالاة، لا بل الشماتة السعودية والأميركية و"الإسرائيلية". فمصر عاجزة عن الفعل لوقوعها تحت حصار يديره "صديقها" الأميركي ويموله السعودي من جهاتها الأربع، لأول مرة في تاريخها، حيث تكمن لها أثيوبيا من الجنوب وتركيا و"الإخوان المسلمين" من الغرب في ليبيا؛ و"إسرائيل" وتكفيريي سيناء من الشرق؛ ومشاريع وحقول النفط والغاز المنتزعة من مصر لجهة واجهتها على البحر المتوسط.
أما الأردن فحدث ولا حرج، عن أوضاعه المزرية وضياعه بين عطشه وإضطراره لشراء المياه من المحتل الصهيوني؛ وبين تعرض كيانه للتآمر لحل مشاكل الغزاة الصهاينة على حسابه. وآخر تلك المؤامرات ما سمي ب"الفتنة" للإطاحة بالملك وتنصيب شقيقه حمزة مكانه، لإقامة الوطن البديل خدمة للمشروع الإستيطاني الصهيوني.
وأما ياسر عرفات، فقد قتله الصهاينة بعد أن أعطاهم كل مطالبهم بالتخلي عن برنامج منظمة التحرير الفلسطينية واعترف بكيانهم غير الشرعي. وها هو خليفته "أبو مازن" يواصل سياسة التنسيق الأمني مع المحتلين، في الوقت الذي يواصل فيه هؤلاء طرد الفلسطينيين من بيوتهم وقتل كل من يفكر منهم بالدفاع عن منزله وأهله وبستانه وشجرة زيتونه الموروثة عن الآباء والأجداد.
ورغم هذه الخيبات، هناك من يستمع في لبنان لكلام القادة الصهاينة؛ المتطابق مع كلام إبن سلمان وإعلامه. فرئيس وزراء العدو، نفتالي بينيت، يقول أن لديه مع مواطني لبنان عدواً مشتركاً هو "حزب الله" وإيران. فيما جعجع يشهر تبعيته لوليد البخاري سفير إبن سلمان في لبنان. ويعلن بالفم الملآن أنه "يعمل لإستعادة لبنان من حزب الله وإيران". فهل تحضر السعودية، كعادتها، لفتنة جديدة في لبنان، تعتمد فيها على جعجع وقواته، طالما أن كل سبل الضغط الأخرى الأميركية و"الإسرائيلية" والسعودية باءت بالفشل، بل أدت وظيفة عكسية، إذ إزداد أنفضاح السياسات الأميركية أمام أعين اللبنانيين، باعتبارها مع السعودية تمارسان حصارهم وإفقارهم وتجويعهم بأياد لبنانية وخارجية. كما تضاعفت قوة المقاومة كماً ونوعاً. وهذا ما يحاول جعجع تجاهله في مقاولته الجديدة ونقلة بندقيته إلى الكتف السعودي وكلاهما يتصلان بمحرك أميركي واحد.