الشعب الخنوع ـ عدنان الساحلي

الجمعة 02 تموز , 2021 10:25 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تلعب النكات دوراً بارزاً في حياة الشعوب، خصوصاً في الأوقات الحرجة، عندما تتقاطر المشاكل والهموم على بلد ما، فيلجأ شعبه إلى استخدام النكتة، كنوع من أنواع التعبير عن موقف، لا تسمح الظروف برفع سقف المواجهة فيه مع الجهات الظالمة لهذا الشعب، إلى حد إستخدام قوة السواعد، فيستعاض عنها بقوة الكلمة، ترجمة للقول النبوي المأثور: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". 
وقد راينا مثل ذلك على ألسنة شعوب كثيرة، إستخدمت النكتة للتعبير عن آلامها ومكنونات همومها. ويبدو أن إستضعاف الشعب اللبناني قد بلغ مبلغاً، يدفعه لاستخدام النكتة لمواجهة الضغوط التي تستهدفه، من قبل المافيات التجارية والمالية والسياسية المتسلطة عليه، فبتنا نسمع نكاتاً مختلفة المقاصد والتصاوير، منها ما روج مؤخراً للإيحاء بأن اللبناني بات، بشكل أو بآخر، خنوعاً وذليلاً وخاضعاً لا حول له ولا قوة، أمام جبروت أهل المال والسلطة، على غرار الخبر-النكتة التالية:
"تصل إلى بيروت مطلع الأسبوع المقبل لجنة تقصي حقائق طبية المانية –فرنسية، لمعرفة ماهية الدواء المخدر الذي أعطاه السياسيون اللبنانيون للمواطنين في هذا البلد. وعما إذا كان بالإمكان الإستفادة منه وشراء براءة إختراعه لإنتاج هكذا عقار في الإتحاد الأوروبي". وهذا على سبيل المثال لا الحصر. وكذلك مثل تشبيه اللبناني بالبطريق الذي يعتبر طائراً لكنه لا يطير؛ ويعيش في المحيط المتجمد ولا يملك فرواً؛ وإذا وقف على الشاطىء تأكله الفقمة؛ وإذا نزل في الماء تأكله أسماك القرش؛ وإذا ضاع على الجليد يأكله الدب. لذا لا تنقصه غير الجنسية اللبنانية.
فهل حقاً بات اللبنانيون مستضعفين ومخدرين وخانعين وأذلاء إلى هذا الحد، أمام حرب الإفقار والتجويع التي يتعرضون لها على أيدي تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف وكبار الأثرياء، في تقاطع لمصالح هؤلاء مع الحصار المالي والإقتصادي الأميركي المفروض على لبنان، لإجباره على القبول بالمطامع "الإسرائيلية" والإملاءات الأميركية التي باتت معروفة، في إنتزاع أجزاء من أرضه ومياهه؛ والسيطرة على ثروته من النفط والغاز؛ ونزع عناصر قوته المتمثلة بالمقاومة؛ وفرض توطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين على أرضه؛ وإلحاقه بمحور الخيانة المكوّن من الأذلاء المطبعين مع الكيان الصهيوني، الذي يحتل فلسطين ويشرد أهلها ويقتل ويضطهد من بقي منهم في أرض الآباء والأجداد. 
من المسلم به أن تجارب الشعوب، منذ أن وجدت المجتمعات والدول، تؤكد أن حركة تلك الشعوب في سعيها لنيل حريتها والدفاع عن مصالحها، محكومة بوجود نخب طليعية صادقة ومضحية، تتقدم صفوف شعبها وتقوده لتحقيق رغباته ومواجهة أعدائه. وهذا الأمر لطالما شهدته نضالات اللبنانيين الذين حققوا إنجازات منظورة، خضعت فيها منظومات الفساد الحاكمة والمسيطرة، منذ أن أنشأت فرنسا الكيان اللبناني الهزيل، بالإحتكارات التجارية والمالية والخدماتية والسياسية التي يستند اليها؛ وبالتبعية للخارج التي لم تفارق حكامه يوماً، فأمكن إنشاء الجامعة اللبنانية، التي أتاحت التعليم العالي لأبناء الفقراء، بعدما كان حكراً على أبناء الأغنياء في جامعات الإرساليات الأميركية والفرنسية. وكذلك فرضت قبول السلطات وأرباب المال والأعمال، بوجود حد أدنى لرواتب العاملين في القطاعين العام والخاص. وكذلك إنشاء الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، هذا كمثال وليس حصراً.
وفي السياسة، ثار اللبنانيون وأسقطوا سعي كميل شمعون للإنضمام إلى الأحلاف الأميركية. وتمكنوا من مقاومة العدوان الصهيوني وطرد إحتلاله عن معظم الأراضي التي إحتلها. كما أمكن لهم إسقاط إتفاق 17 أيار الخياني. وأسقطوا رمز المراهنين على التحالف مع العدو "الإسرائيلي" بشير الجميل. 
هذه النماذج عن قوة اللبنانيين وقدرتهم في الدفاع عن حقوقهم وفرض احترام مصالحهم، تتناقض مع الواقع الحالي الذي نعيشه؛ والذي يبدو فيه اللبنانيون فاقدي القدرة على مواجهة جلاديهم ودفع الأذى عنهم. وهنا يختلف اللبنانيون حول توصيفهم لهذه الأسباب، لكنهم يتفقون بالإجمال على أن أحد أبرز أسباب ضعفهم، هو تشتتهم الطائفي وقدرة زعماء الطوائف على تحويلهم إلى إقطاعات لهذا الزعيم أو ذاك. وانقيادهم خلف زعاماتهم في إفتعالها للخلافات فيما بينها، رغم أن هذا الواقع قديم رافق النظام اللبناني منذ ولادته. 
بيد أن الأهم من ذلك، أن اللبنانيين وقعوا ضحية لحيتان المال وهؤلاء إما زعماء لطوائفهم، أو حلفاء لهم، حاصروا اللبنانيين بكل الوسائل. يكفي أن نذكر أن الراحل رفيق الحريري ربط علناً بين توسع الإستثمار في لبنان وبين الغاء الحد الأدنى للأجور والغاء الضمان الإجتماعي. كما شهدت أيام ترؤسه للحكومات إنقضاضاً على التعليم الرسمي لمصلحة التعليم الخاص وهو طوائفي في أغلبه. وحرباً على المستشفيات الحكومية والطبابة الرسمية وكل ما له علاقة بدور الدولة الرعائي: الصحي والإجتماعي والتربوي والخدماتي، لصالح المتعهدين وأصحاب المؤسسات الخاصة من كبار المتمولين وشركاء زعماء الطوائف من السياسيين وغير السياسيين. بل أن الخطر طال المؤسسات الأمنية والعسكرية، نتيجة التوسع في إستخدام الشركات الأمنية الخاصة. وتولى ذلك الزعيم الطائفي الطارىء، المدعوم بالنفوذ الأميركي والمال السعودي، شراء ذمم الكثير من النخب الوطنية واليسارية وغيرها، ممن كان يصنف ذاته في خانة المناضلين، الذين عندما أحتاجهم اللبنانيون في محنهم الأخيرة، وجدوهم أبواقاً في إعلام زعماء الطوائف وأصحاب المصارف؛ ونواباً ووزراء على لوائح رموز الفساد والسرقة في البلاد. ولذلك ليس اللبناني مغلوباً على أمره وليس خنوعاً ولا ذليلاً، كما يروج. بل هو يعيش مخاضاً من الترقب والإنتظار، لتربية جيل جديد من المناضلين يحمل راية تغيير هذا الواقع، باتجاه إقامة دولة المواطنة على ركام منظومة الطوائف المتوحشة والفاسدة، حيث لا يكون فيها نائب شاهد زور؛ ولا وزير يتواطأ مع مافيا المحروقات، على سبيل المثال، فيرفع سعر سلعتها مرتين في يوم واحد، لأنه خاضع لها وشريكها. ولا يسكت عن ترك الناس من دون مياه ولا كهرباء، تستبيحهم مافيات أصحاب المولدات وأصحاب صهاريج بيع المياه. ولا يتم فيها صرف الأموال الطائلة لدعم سلع يستفيد منها التجار والمستهلك الغني، مثل السيكار والكاجو. بينما سعر رغيف خبز الفقير يقفز صعوداً كل يوم والمواطن بالكاد يحصل عليه. فيما وزير المال دفن "الشيخ زنكي" مع حاكم المصرف المركزي، رأس منظومة الفساد المالي وحامل مفاتيح أسرارها وفضائحها. واللبناني بتضحياته وإصراره هو سيقرر عمر فترة الإنتظار هذه.   


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل