الاستخبارات التركية من النشأة وحتى المستقبل 3/1 ـ فادي عيد وهيب

الخميس 01 تموز , 2021 11:08 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

اختلفت أنواع الأسلحة وأهميتها فى الحروب من عصر الى أخر، ومع تغير شكل وقوة وسرعة السلاح تغيرت الحروب وطبيعتها، حتى بدأنا نرى أجيالاً أولى وثانية وحتى الخامسة من أجيال الحروب، وقد أختلفت وتطورت تلك الأجيال من حقبة الى أخرى بفضل تغيير وتطور السلاح، ولكن يبقى سلاح المعلومة هو السلاح الأول فى كل المعارك والحاضر بقوة فى كل أجيال الحروب وكل معارك التاريخ، فدائما ما كانت المعلومة هى رأس حربة كل قوة تريد أن تتقدم للأمام، ودائما ما كانت هى الأساس الذى يبني عليه قوام وفكر وإستراتيجية الجيوش والقوى العسكرية وسياسيات الدول الداخلية والخارجية أيضا.
فدائما ما كان يبدأ التخطيط لأي معركة أولأ بتحضير المعلومات عن العدو، ومعرفة أبرز نقاط القوى وأهم نقاط الضعف للعدو، وهنا يتضح أن النشاط الإستخباراتي كان موجوداً منذ القدم ومنذ الحروب الأولى التى شهدها فجر التاريخ، ومع حركة التطور الديناميكي التى شهدتها البشرية بات العمل السري أو الإستخباراتي حجر زاوية لأي نظام ودولة على سطح الكرة الأرضية، وبات عمل جمع المعلومات يسير وفق أجهزة ووكالات أستخبارات دائمة التحدث والتطور فى هيكل المؤسسة نفسها وطبيعة نفوذ عملها ومنهجها وعقيدتها الفكرية، حتى باتت أجهزة الإستخبارات هى المحرك الرئيسي للأحداث من ورأء الستار بأغلب دول العالم وفى مقدمتهم الدول العظمى، وبأتت أجهزة الإستخبارات الحديثة من يحرك القطع بالكواليس وترسم العديد من السياسيات، والبوصلة الرئيسية لكثير من المؤسسات بالدولة، والرابط بين خيوط النظام.
ولذلك باتت المعرفة والإلمام بكل الأمور وجمع المعلومات ومتابعة المتغيرات عن كثب، شئ أساسي يجب أن يتوافر أمام رجال الدولة وكبار المسؤولين بها من مدنيين أو عسكريين، حتى يتمكنون من خلال تلك الأدوات والمعلومات على حماية الأمن القومي والتصدى لأي خطر يواجه الشعوب والأوطان، وهنا بات لجهاز المخابرات أهمية خاصة وحساسة لكل دولة، وبات كل نظام يعقد أهتمامه الأول بتطوير وتقوية ذلك الجهاز وتلك المؤسسة.
وهنا نسلط الضوء على وأحد من أبرز أجهزة المخابرات بأقليم الشرق الأوسط، وصاحب الجدل الواسع على مدار تاريخه، ومن أثار العديد من علامات الأستفهام لدى شعب دولته نفسها، والذى كان صاحب ضربة البداية فى الكثير من الأحداث السياسية داخل حدود دولته، خصوصاً في فترات الأنقلابات العسكرية التى جعلت الأراء تنقسم عليه بين إيجابي جدا أو سلبي جدا، و جعلت النفوس تختلف حول أسلوب عمله وأدواره سواء في الداخل أو في الخارج، وبين علامات أستفهام كثيرة تعلق عليه من حين لأخر، خصوصاً فى طبيعة أدواره في دول الجوار.
أنه جهاز الإستخبارات التركي، حين برز لذلك الجهاز الإستخباراتي العتيق دور ضخم خلال أحداث الربيع العربي أو فوضى الربيع العبري، والتى تجلت فيه أذرع ذلك الجهاز بأكثر من دولة عربية من المحيط الى الخليج.
ودعونا نبدأ قصتنا من البداية، ونسلط الضوء على أهم مراحل جهاز الإستخبارات التركي منذ النشأة، حتى تجلت أهمية جهاز الإستخبارات التركي أثناء الحدث الأهم والاخطر في العقد الأخير، والمؤثر فى تركيا وتاريخ الحقبة الأردوغانية عندما قامت وحدات من الجيش التركي بمختلف الأفرع والأسلحة بتنفيذ محاولة أنقلاب عسكري على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظامه بمنتصف يوليو/تموز2016م، بعد ان قامت تلك الوحدات بالسيطرة على الجسور التى تربط بين شطري تركيا الأسيوي والأوربي، والسيطرة على مبني التلفزيون التركي، ومطار أتاتورك، ومبني البرلمان، وقصر الرئاسة، حتى كاد رصيد أردوغان الرئاسي وربما العمري أن يوشك على النفاذ بعد أن غادر الى منتجع "مرمريس" الذى قضى فيه عطلته بطائرته الخاصة دون أن يعلم الى أين ستتجه الطائرة سواء بانقرة أو أسطنبول أو ربما خارج تركيا كلها.
ولم تمر على تلك المحاولة سوى ساعات قليلة حتى عادت الأمور إلي نصابها المعتاد مرة أخرى، وعاد أردوغان مجددا إلى قصره والى جماهير حزب العدالة والتنمية رافعة علامة النصر، ويرجع الفضل الأول لعودة أردوغان لكرسيه وللحياة بشكل عام مجددا لجهاز الإستخبارات التركي، الذي لعب دوراً هاماً في إحباط محاولة الإنقلاب العسكري تلك.
ولذلك كان علينا أن ننظر بعمق لتاريخ جهاز الإستخبارات التركي منذ نشأته الأولى وبدايات مرحلة تأسسيه، وكيف كان منهجه وكيف تطور مع المتغيرات السياسية والعسكرية التى حدثت بتركيا وأقليم الشرق الاوسط بل والعالم مع مرور الزمن، ونتعرف على أبرز رجاله وأهم محطاته، وأخطر التحديات التى واجهت الجهاز على مر تاريخه.
تشكيلات يلدز البذرة الأولى لجهاز الإستخبارات التركي: في السنوات الأخيرة من عمر الدولة العثمانية بدأت تظهر أفكار وتقدم أطروحات لأنشاء أول جهاز أو وكالة إستخباراتية ذات طابع سري، وعلى أسس منهجية تميل للطبيعة المؤسسية، فى ظل حاجة الدولة العثمانية بتلك الحقبة لمثل تلك النوعية من المؤسسات.
الى أن ظهرت البذرة الأولى لتلك المؤسسة أو للجهاز الإستخباراتي حديث الولأدة تحت أسم "تشكيلات يلدز" على يد الخليفة الثاني بعد المائة والسلطان ال34 من سلاطين الدولة العثمانية وال26 من سلاطين بني عثمان الذين جمعوا بين الخلأفة والسلطنة السلطان عبد الحميد الثاني في مبنى قصر يلدز.
التشكيلات الخاصة بعهد الأتحاد والترقي: وبعد ظهور النواة الأولى لجهاز الإستخبارات والتى عرفت بأسم "تشكيلات يلدز" بأخر سنوات الدولة العثمانية تم إنشاء وكالة إستخبارات جديدة بعهد جمعية الأتحاد والترقي"İttihad ve Terakki Cemiyeti" عام 1913 وتحديد فى يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني.
وحملت أسم "التشكيلات المخصوصة" وتم وضع رؤية مهام تلك المؤسسة على يد القائد العسكري العثماني وأحد أبرز قادة "حركة تركيا الفتاة" وناظر الحربية بالدولة العثمانية وصاحب العديد من الأنتصارات العسكرية خارج حدود الدولة العثمانية سواء على الأيطاليين بطرابلس الليبية، أو على الروس بمعركة ساريقاميش بالقوقاز، والذي تصدي للبريطانيين بالعاصمة العراقية بغداد قبل أن يقتل فى بخاري خلال حربه ضد الحكومة البلشفية بوسط أسيا عام 1922 ألا وهو القائد أنور باشا.
وقد شرع أنور باشا فى تأسيس وكالة الإستخبارات الجديدة التى حملت أسم "التشكيلات المخصوصة" لمواجهة تحديات عديدة كانت تواجه الإتحاد والترقي، والعمل على جعل تلك الوكالة رأس الحربة الأولى لحكومة الإتحاد والترقي لمواجهة الأعداء سواء داخل الحدود التركية او خارجها.
وكان من أبرز أهداف "التشكيلات المخصوصة" تتبع ورصد الأنشطة السرية للدول الأجنبية التي تركز على منطقة الشرق الأوسط وترغب فى تعاظم نفوذها بتلك المنطقة، والتصدي لأي محاولات إنفصالية أو تمردية داخل حدود الدولة العثمانية.
وعلى المستوى الأدارى كانت تهدف تلك الوكالة لتنسيق الأعمال الإستخباراتية تحت مظلة واحدة وقيادة واحدة، والتنسيق بين جميع عناصر تلك الوكالة بشكل يعكس حالة الترابط بين كل عناصرها.
وكان لوكالة "التشكيلات المخصوصة" دور هام وبارز أثناء الحرب العالمية الأولى ونفذت العديد من المهام الصعبة وقتها، الى أن تصدعت جدران وأعمدة وكالة "التشكيلات المخصوصة" بعد التوقيع على هدنة موندروس الموقعة فى 30 اكتوبر/تشرين الأول 1918 والتى أنهت عمليات القتال الدائر وقتها في منطقة الشرق الأوسط بين جيوش الدولة العثمانية وجيوش الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى، وقد وقعها من الجانب العثماني وزير الشؤون البحرية رؤوف أورباي بك و من الجانب البريطاني الاميرال سومرست آرثر غوف على متن السفينة "إتش إم إس أغاممنون" في ميناء مودروس في جزيرة ليمنوس اليونانية.
حقبة ما بعد هدنة موندروس: بدأت مرحلة جديدة لوكالة الإستخبارات فى الفكر وأسلوب عمل الأدارات والعمل بحكم التطور الذى شهده ذلك العصر، خصوصاً بأجهزة إستخبارات الدول الغربية، وهى الفترة التى عملت بها وكالة الإستخبارات التركية أثناء المرحلة التى عرفت بمرحلة النضال الوطنى حتى ظهرت مجموعات إستخباراتية عديدة كمجموعة الظابطين ياووز وحمزة، ثم مجموعة فلاح التي تم إنشاؤها في العام 1920 أي بعد هدنة موندروس بعامين بعد حل جمعية المخافر التي تم إنشاؤها في أواخر عام 1918 والتى أستمر عملها ونشاطها السري حتى نهاية حرب الاستقلال.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل