معايير أميركية جديدة في لعبة قديمة ـ يونس عودة

الثلاثاء 29 حزيران , 2021 10:57 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تجِّد الولايات المتحدة لاعتماد تكتيكات جديدة في التعامل مع منطقة الشرق الاوسط، من دون اي تغيير في الاستراتيجية الاستعمارية المعتمدة، وانما تغيير البيادق في ذروة القتال، وبالطبع فان التكتيكات ترتكز على دروس لتقليل  الضغوط عليها من جهة، وردع حالات التمرد على سياسات التشاطر والتذاكي في الترهيب تجاه الادوات والحلفاءمن جهة ثانية، فعلى سبيل المثال، كانت مسألة محاسبة السعودية على الجرائم المرتكبة، ولا سيما تقطيع اوصال جمال خاشقجي، رجل المخابرات السعودية السابق وحامل الجنسية الاميركية، واحدة من اولويات حملة جو بايدن الانتخابية للوصول الى الرئاسة، لكن بعد تسلمه البيت الابيض، تراجعت الادارة عن التزاماتها بقدر كبير، تحت عنوان، مصلحة الأمن القومي والمصالح الاقتصادية، الا ان السبب الرئيسي يكمن في مكان آخر، وهو ان اميركا شريك فعلي في جريمة "نشر" جسد خاشقجي بالمنشار بعد تخديره.
لقد كشفت أوساط اميركية ان الفريق الذي تولى أمر تصفية خاشقجي من التخطيط الى التنفيذ في القنصلية السعودية بتركيا عام 2018 تلقى  تدريبات عسكرية في الولايات المتحدة قبل وقت قصير من ارتكابه الجريمة، وكشفت صحيفة "نيويورك"ان برنامج التدريب  تمت الموافقة عليه من وزارة الخارجية الأميركية، في وقت تعمل الإدارة الأميركية على الترويج لتبرئة الأميركيين من الجريمة باعتبار  أن شركة التدريب الأمني  والجهة التنفيذية الأميركية ليستا فعلا على دراية بانتماء القتلة السعوديين لهياكل مملكة آل سعود المسؤولة عن ملاحقة المعارضين، لأنه يمكن أن يؤدي هذا الكشف إلى زيادة الضغط على إدارة  بايدن، التي اضطرت عمليا إلى تعديل سياستها في الاتجاه "السعودي".ما يجعلها ايضا مضطرة الى وضع معايير جديدة في العلاقات مع الرياض، وربما إعلان البيت الأبيض  سحب جزء من قواته وأسلحته الأكثر حماية للسعودية ( منظومات ثاد وباتريوت ) جزء من المعايير التي تحمل أيضا صفات ابتزازية مثلما كانت إدارة سلفه دونالد ترامب - الدفع مقابل الحماية، بغض النظر عن المبررات المطروحة وهي صحيحة ايضا، بشأن إعادة نقل تلك الأسلحة الى مناطق تهم واشنطن أكثر بكثير في المرحلة الحالية، وهو ما عبر عنه اجتماع قادة الحلف الاطلسي في المناقشات كما جاء في البيان الختامي.
اذا كانت المعايير الاميركية الجديدة، تجاه السعودية النفطية، صاحبة الأرصدة الكبيرة  في البنوك الأميركية، والحكام الذين  لم يعترض أي منهم على أي طلب أميركي واحد منذ انشاء المملكة، فإن الأمر مع الحلفاء الآخرين ليس أقل قسوة، وقد عبر عن ذلك وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن الذي أعلن أن على الإدارة أن تجد طريقة أكثر فاعلية لتعزيز المصالح والقيم الأميركية، اي بمعنى اوضح "امركة الجميع"، بحيث لا يعارض احد مشيئة واشنطن بغرائزها القاتلة على المستويات السياسية والاقتصادية، وادخال مفاهيم اجتماعية جديدة لتدمير المجتمعات منهجيا مثل "المثلية الجنسية" المنافية لكل الشرائع والقيم وتحويلها الى قواعد طبيعية وليست مسألة شذوذ، ورفع شارات المجموعات الشاذة على السفارات الأميركية الى جانب علم الولايات المتحدة.
ليس غريبا في هذا السياق ما حصل في تركيا من تظاهرة للشاذين قمعتها الشرطة بشدة باعتبار ذلك من الدخلاء الأعلى فظاظة على القيم الاخلاقية المجتمعية، بالتوازي مع محادثات تركية - أميركية حول بقاء القوات التركية في افغانستان بعد انسحاب القوات الأطلسية الأخرى وعلى رأسها القوات الاميركية، وهنا على اللبيب من الاشارة ان يفهم .
اما فيما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني ،والصراع في المنطقة، فان وعود واشنطن عشية الانتخابات نثرتها رياح خروج بنيامين نتنياهو من السلطة، لتعود إدارة بايدن وتتبنى كل افعال دونالد ترامب من التطبيع الالزامي،  ومن المحتمل أن تثار هذه القضية من جديد في سياق العلاقات الأميركية السعودية.، إضافة الى محاولة تكريس الجولان ضمن النطاق الاسرائيلي ،وهو ما أعلنه وزير الخارجية بلينكن في موقف يتنافى تماما مع قرارات ما يسمى الشرعية الدولية.
وفي هذا السياق اعتبر مصدر سوري إن تصريحات أنتوني بلينكن "تأتي في سياق الدعم الأميركي المتواصل للكيان الإسرائيلي المحتل وعدوانه المستمر" مشدداً على أن "الجولان كان وسيبقى عربياً سورياً، وهذا ما أكدته الشرعية الدولية برفضها قرار الضم الإسرائيلي الباطل للجولان"، لافتاً إلى أن "قرار إدارة ترامب الاعترافَ بهذا الضم، ما هو إلا مؤشّر إضافي على انتهاك واشنطن السافر للشرعية الدولية وقراراتها ومواثيقها".وأكد المصدر السوري أيضاً أن "كفاح سوريا لاستعادة أراضيها المحتلة في الجولان، بكل السبل المتاحة، حق مشروع"، مشدداً على أنه "لن يستطيع المسؤولون الأميركيون المَسّ بهذا الحق".لقد بات واضحا، ومن خلال التجربة الايرانية الحالية ،مع الولايات المتحدة، وكل التجارب التي خاضتها شعوب بوجه التجبر الاميركي، كانت ناجحة، عندما تواجه السياسات الاميركية، وان كل من ينصاع قليلا سوف يأتي الوقت الذي ينصاع فيه كثيرا، وعليه فان التغيير في التكتيك الاميركي، لن يكون الا لاحتواء مرحلي، تتغير فية بيادق واشنطن في اللعبة، اما الذين يواجهون فهم حتما لمنتصرون .  


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل