إبريق زيت الحوار اللبناني 1697 - 2021 وما بعدها (16/13) ـ أحمد زين الدين

الخميس 24 حزيران , 2021 10:30 توقيت بيروت أقلام الثبات

7أيار 2008 يقود إلى حوار الدوحة

الرئيس لحود يحبط انقلاب السنيورة في الأمم المتحدة والخرطوم

أقلام الثبات

ثمة أسئلة كثيرة يطرحها اللبنانيون، كلما سمعوا عن حوار مزمع، أو التحضير لحوار، ومن هذه الأسئلة:
ماذا يمكن أن ينتج، وماذا ينتظرنا بعده وهل نحن أمام هدوء واستقرار أم أمام مرحلة جديدة من مخاض صعب لا يعرف متى ينتهي؟
واللبنانييون كما كانت حواراتهم تنتج أحياناً أزمات أو مدخلاً لأزمات كبرى، وحروب، كانت أيضاً مدخلاً لحلول، وفي كل الحالات، فإن التشديد والعمل من أجل الحوار له معنى واحد أن هناك أزمة ولابد من حل لها.


منذ نيل حكومة فؤاد السنيورة الأولى عام 2005 ثقة مجلس النواب، أخذ يتضح شيئاً فشيئاً نهج رئيس الحكومة المعادي للمقاومة، وكانت قمة تجلياته برزت في الأمم المتحدة عام 2005، وفي قمة الخرطوم التي عقدت في 28 آذار 2006، ففي تلك القمة فوجئ الرئيس العماد إميل لحود الذي رأس وفداً قوامه الوزيرين فوزي صلوخ ويعقوب الصراف وسفير لبنان في الخرطوم، بأن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة شكل وفداً أيضاً للذهاب إلى العاصمة السودانية، وهو له سابقة في هذا المجال، حينما حاول في الأمم المتحدة عام 2005، وكان موجوداً في نيويورك سعد الحريري، أن يشكل وفداً ليمثل لبنان، لكن مع الأميركيين لا تمر هذه الألعاب، فمنع من دخول القاعة الرئيسية 
وفي تفاصيل ذلك، أنه عند وصول الرئيس لحود إلى نيويورك، أعلمه سفير لبنان في واشنطن أن الرئيس فؤاد السنيورة وصل إلى هناك وسيشارك في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة على رأس وفد، وأن سعد الحريري برفقته، وهم سينظمون مظاهرات ضد الرئيس لحود، حين دخوله إلى مقر الأمم المتحدة، وحضر الرئيس لحود أعمال الجمعية العامة، فلم يكن هناك أي متظاهر وبقي السنيورة في الفندق، بينما سعد الحريري دخل من الباب الخلفي بصفته مراسل صحفي.
في الخرطوم، اعتقد السنيورة، أنه قد ينجح فيما فشل به في الأمم المتحدة، لأن هناك من نصح بذهاب رئيس الحكومة لتمثيل لبنان في تلك القمة، لأنه أفضل من أن يكون لبنان ممثلاً بوفدين، وهذا ما رفضه الرئيس لحود، وخلالها في تلك القمة، طلب أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى من الرئيس لحود أن يسمح للسنيورة بحضور جلسة مغلقة، وأن يقعد في المقاعد الخلفية من دون أن يتكلم بتاتاً، فلم يمانع رئيس الجمهورية بذلك، غير أن السنيورة طلب الكلام قائلاً: "لن نقبل بعد الآن أن يذكر في البيان دعم المقاومة"، علماً أنه في كل البيانات الختامية السابقة في القمم العربية، كان يذكر "دعم المقاومة في لبنان".
وقد طلب السنيورة أن تكون العبارة البديلة "دعم الشعب اللبناني"، وهنا عرف الرئيس لحود ما يرمي إليه السنيورة، بأنه "لم يعد هناك مقاومة"، وبالتالي، "ادعموا الشعب ورئيس الحكومة"، فرد على السنيورة بعنف، مؤكداً أنه ليس له حق بالكلام "فأنا رئيس لبنان ورئيس وفده، وأنت لا يحق لك الكلام، وهذه العبارة لا يمكن حذفها"، طالباً من الرئيس السوداني بصفته رئيساً للقمة بأن تبقى عبارة "دعم المقاومة في لبنان"، فوافق البشير على ذلك، معلناً للسنيورة أنه "ليس لك كلمة، ولا علاقة لك، فهذه قمة للرؤساء فقط ..
ومع استقالة الوزراء الشيعة الخمسة، والوزير يعقوب الصراف من حكومة فؤاد السنيورة الأولى، ولاحقاً اغتيال وزير الصناعة بيار الجميل، ما جعلها ناقصة التمثيل المسيحي، وفاقدة تماماً لمكون لبناني، واعتبار الحكومة من قبل رئيس الجمهورية العماد إميل لحود والمعارضة، غير ميثاقية وغير دستورية وغير شرعية، استمر السنيورة وحكومته بسياسة التحدي، فأقدم مجلس الوزراء في شهر كانون الثاني 2007، على إقرار 700 مرسوم تتعلق بالجيش وبأوضاع وظيفية ومالية وتربوية وقضائية في جلسة استثنائية، وذريعة السنيورة كانت أن حكومته هي المؤسسة الدستورية الوحيدة التي انتقلت إليها صلاحيات الرئيس بالوكالة وفقاً للدستور، وعدم انتخاب خلف له.
ظلت الأمور على تفاقمها، مع ازدياد حدة الانقسام الداخلي، وفي 30 تشرين الأول 2006 كانت قد اندلعت مظاهرة مليونية للمعارضة وبدأ الاعتصام الشهير في وسط بيروت، مما أدى إلى شلل تام في وسط بيروت ومحيطها.
واستمرت الأمور في تصاعدها، إلى أن اتخذت حكومة السنيورة قراراتها الشهيرة في 5 أيار 2008 وفيها استهداف واضح لشبكة اتصالات المقاومة السلكية وملاحقة المسؤولين عن الشبكة وعزل رئيس جهاز المطار العميد وفيق شقير، وغيرها من القرارات الخطيرة...
ويعترف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في حديث تلفزيوني في 12 تشرين الأول 2020 بأن أحداث 7 أيار 2008، هو من افتعل هذه الأحداث، واصفاً الأمر بأنه "خطأ في الحسابات".
وقال "أنا أخطأت كثيراً و7 أيار أحد أخطائي.. أنا افتعلت 7 أيار وأخطأت بالحسابات وهناك من حمسني على ذلك، وحينها توجّه لي السيد حسن نصرالله بكلامٍ قاسٍ وتمّ انقاذنا بإتفاق الدوحة، وحزب الله لا يزال قوياً". 
وتكشف وثائق ويكيليكس جانب من التفاصيل التي أوصلت إلى السابع من أيار، حيث تعود أولى الوثائق التي توثق أحداث 7 أيار 2008، إلى 9 أيار، حيث قام قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع بزيارة «مفاجئة» إلى السفارة الأميركية في عوكر، الثامنة والنصف مساء، طرح خلالها فكرة نشر قوات عربية لحفظ السلام في لبنان عديدها 5000 جندي، مؤيداً الطرح السعودي في هذا الشأن.وقالت القائمة بالأعمال الأميركية ميشيل سيسون في برقيتها «أبلغنا جعجع أن لديه بين 7000 إلى عشرة آلاف مقاتل على استعداد للتحرك»، مضيفاً «لكننا بحاجة إلى دعمكم للحصول على الأسلحة» عبر «عملية الإمداد البرمائية» مثلاً. على الهامش طلب جعجع من سيسون «دعم (رئيس الحكومة فؤاد) السنيورة»، و«رفع معنويات» زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
 في 11 أيار، روت وثيقة مصنفة «سرية»، وقائع اجتماع عقدته سيسون، بعد ظهر اليوم نفسه، مع رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل ومستشاره ميشال مكتف ووزيرة الشؤون الاجتماعية نايلة معوض وابنها ميشال ووزير الاتصالات مروان حمادة في منزل الجميّل في بيروت. خلال الاجتماع، حذر الجميّل من أن ما يجري في لبنان قد يكون «نهاية عملية إيرانية سورية للسيطرة على لبنان»، منذراً سيسون من أنه في حال لم يتم إيقاف سورية وإيران «فستقدمون أوراق اعتمادكم إلى دمشق». وفيما اقترح أن تتخذ الولايات المتحدة «إجراءات قاسية، محددة وجدية» ضد إيران وحلفائها، واقترحت معوّض أن تفرض واشنطن عقوبات أشد على سـورية، كفرض حظر جوي.
هنا صوّب ميشال مكتف الكلام ممازحاً «نريد قصفاً جوياً لا حظراً جوياً»، قبل ان تنطق معوّض: «لا بد من تسليح مناصري 14 آذار». فأوضح الجميّل أن قادة 14 آذار بحاجة إلى «دعم هادئ» من الولايات المتحدة، أي بحاجة إلى الأسلحة في غضون الأيام الخمسة أو الستة المقبلة، كي يهزموا «حزب الله»، حيث يعمل قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان «ناطوراً»، كما قال الجميّل.
في 12 أيار أيضاً، كتبت سيسون تقريراً عن لقاءين اجرتهما مع قائد الجيش ميشال سليمان في 11 أيار. خلال لقائهما، وصف سليمان أحداث 7 أيار بأنها «هجوم سرطاني» لـ«حزب الله»، وقال «إن الذي يقوم بأعمال «ميليشوية... ليس مقاومة»، محذراً من أن هذه الأعمال فتحت جبهة جديدة في الصراع السني - الشيعي في الشرق الأوسط، ما استدعى تدوين سيسون ملاحظة بأنها «المرة الأولى التي نسمع فيها هذا التعبير من سليمان».
وفي 12 أيار أيضاً، كشفت وثيقة لـ«ويكيليكس» بأن سعد الحريري وبحضور مستشاريه نادر الحريري وغطاس خوري، وخلال اجتماع مع سيسون في منزل الحريري في قريطم «حيث يتحصّن (الثلاثة)»، دعا الولايات المتحدة إلى تقديم دعم أقوى خلال «ساعات لا أيام». واقترح الحريري، الذي وصفته سيسون بأنه «نشيط»، أن تحلّق ولو «طائرة أميركية واحدة» فوق سورية «تهديداً» لها لا أكثر، او تنشر أسطولها البحري السادس على طول الحدود الساحلية السورية، حيث أن قوى 14 آذار لا يمكنها أن تصمد طويلاً أمام «حزب الله»، وإلا فقد يضطرون إلى «إبرام اتفاق».وقال الحريري إن الحكومة قد تسحب قرارَي 5 أيار «لأنه من غير المجدي ان نسمح للمعارضة بمواصلة استخدام هذين القرارين كذريعة لمواصلة القتال». وبلهجة ساخرة، انتقد سعد الحريري التعبير الذي استخدمه البيت الأبيض (رداً على أحداث 7 أيار) «نأمل»، وقال «ما هذا.. «الأمل» لن يردع سورية»، إذاً هذا النهج لحكومة السنيورة وحلفائه، وتخطيه كل الأعراف والتقاليد والمواثيق، دفع البلاد إلى حافة حرب أهلية، حسمتها حركة السابع من أيار 2008 السريعة والحاسمة، والتي قادت إلى العاصمة القطرية "الدوحة" لينتج حوارها هدوءاً واستقراراً، استمر حتى 2019.

يتبع ... 

(حلقة جديدة كل ثلاثاء وخميس)


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل