الصراع المصري ـ التركي في ليبيا ـ فادي عيد وهيب

السبت 19 حزيران , 2021 10:40 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

شهد الاسبوع الماضي زيارتين هامتين من وفود أمنية تركية ومصرية إلى العاصمة الليبية طرابلس، وهو الأمر الذي كشف أخر ما وصل له الصدام المصري التركي في ليبيا أولا، وعكس الأهداف الحقيقية لكل من مصر وتركيا تجاه ليبيا ثانيا.
وبداية تعمد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل قمة الناتو ولقائه بنظيره الأمريكي جو بايدن، ان يؤكد للجميع سيطرة تركيا على غرب ليبيا بكل ما تحمل كلمة سيطرة من معاني، عبر زيارة (لم يكن يعلم عنها سوى الجنرات الاتراك بغرب ليبيا) وفد تركي حضر بداية الاسبوع الماضي إلى طرابلس ضم وزيري الدفاع خلوصي أكار والداخلية سليمان صويلو، ورئيس هيئة الأركان يشار غولر، ورئيس الاستخبارات هاكان فيدان، ورئيس دائرة الاتصال فخر الدين ألطون، والمتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن، بعد ان عدلت تركيا من شكل واستراتيجية تواجدها العسكري في غرب ليبيا بمباركة رسمية من الناتو، تجلت في اللقاء الذي جمع وزراء دفاع تركيا وبريطانيا وايطاليا بجزيرة صقلية قبل حضور الوفد التركي إلى طرابلس بساعات.
وفي مشهد مهين لحكومة الوحدة الوطنية الليبية ولسيادة الدولة الليبية، عقد وزير الدفاع التركي اجتماعه بجنرالاته في غرب ليبيا، وكأن غرب ليبيا ولاية تركية، فلم يسمح لأي قائد عسكري ليبي بالحضور مع الضباط الأتراك سوى بعد إستخراج تصريح له، وكأن الليبي هو الأجنبي والأتراك هم أصحاب الأرض!
وهنا جاء الرد المصري سريعا عبر زيارة مدير المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل لكل من طرابلس وبنغازي يوم الخميس الماضي، لوضع النقاط على الحروف من جديد، وتغير من شكل الخطوط الحمراء المصرية في ليبيا، والتي كان بدايتها مع خط "سرت- الجفرة" الذي فرضه الرئيس المصري في يونيو/حزيران العام الماضي على الأطراف المتداخلة في الملف الليبي، كي يجنب ليبيا السقوط الكامل في يد الدواعش والتكفيريين الذين تقوم تركيا بشحنهم الى الغرب الليبي.
فقد التقى مدير المخابرات العامة المصرية أثناء زيارته إلى طرابلس كل من رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، بعد ان قام بجولة في شوارع وميادين طرابلس مترجلا بصحبه أدبيبة، وفي بنغازي التقى مع كل من المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني الليبي، والمستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي، وعدد من أعضاء البرلمان، ‏مؤكدًا إشادة الرئيس ‏السيسي بجهود الجيش الوطني الليبي لتحقيق الاستقرار الداخلي ومكافحة الإرهاب، مؤكدا لكل الاطراف دعم مصر للشعب الليبي على مختلف الأصعدة العسكرية والسياسية.
وهي رسالة تعمدت القاهرة من خلالها توضيح الفرق بين تعامل كل من مصر وتركيا مع ليبيا للداخل الليبي وخارجه، وأنها تتعامل مع المؤسسات الليبية باحترام للسيادة الليبية، بعد ان دخل المسؤول المصري لكل من طرابلس وبنغازي عبر البوابات الشرعية ولمقابلة المسؤوليين في الحكومة الليبية لدعمها في حل أزمات الكهرباء ونقص الإمدادات الطبية والغذائية وملف إعادة الإعمار، على عكس التركي الذي حضر إلى قواعده العسكرية المدججة بالمرتزقة التركمان والسوريين لبحث كيفية تأمين تلك القوات المتواجدة بقاعدة الوطية والعاصمة طرابلس ومدن مصراتة والزاويا والعجيلات في حال هجوم الجيش الوطني الليبي عليهم مجددا.
وجاء ذلك بالتزامن مع مطالبة مصر لتركيا بالتعهد بسحب المرتزقة الأجانب من ليبيا وجدولة زمنية مكتوبة للانسحاب التركي من ليبيا، وما زاد من تعرية أطماع تركيا في ليبيا النفطية، هي دعوة أردوغان لنظيره الأذري إلهام علييف للتنقيب عن النفط في ليبيا، خلال اللقاء الذي جمعهما في شوشا، دون أي حضور لمسؤول ليبي خلال اللقاء، فالرئيس التركي يتعامل مع ليبيا والجزائر وتونس ومصر على أنها إرث أجداده كما صرح هو نفسه في السابق.
ومن المشاهد السابقة نستنتج عدة نقاط أبرزها:
أولا: ان الانتخابات الليبية المرتقبة في ديسمبر/كانون الأول المقبل باتت مهددة بحكم المساعي التركية الرامية لاستمرار الفوضى هناك.
ثانيا: أن اردوغان عبر لقاءاته مع قادة الناتو مؤخرا دخل في حلقة مساومات جديدة مع الولايات المتحدة وفرنسا على حساب النفوذ الروسي في سورية وليبيا وأوكرانيا، وهنا ليبيا تحديدا ستكون أهم أوراق أردوغان في المرحلة المقبلة ضد أكثر من طرف إقليمي (مصر والإمارات) ودولي (روسيا وفرنسا واليونان).
ثالثا: لا حل لإعادة السيادة الليبية المفقودة منذ عام 2011م سوى بالجيش وقائده العام خليفة حفتر، ولكن أكبر عائق أمام الجيش الوطني الليبي هو حلف الأطلسي وعصاه في ليبيا أردوغان، فالناتو يرفض رفضا قاطعا أن يقوم الجيش بدوره في حماية وتطهير البلاد، وان يبقى دوره مقتصرا على حراسة الحقول النفطية فقط.
خلاصة القول دخل الصراع المصري التركي على أرض ليبيا مرحلة جديدة برغم ما يظهر على الشاشة من حوار مصري تركي لتطبيع العلاقات، فليبيا على أرض الواقع مقسمة وكل ما يطفو على السطح في الشاشات من أشخاص تتحدث بأسم حكومة وحدة وطنية أو وهمية وما الى أخره .. ما هي إلا أجسام وكيانات تدار من قبل المستعمرين الجدد، ولا تتحرك إلا بإذن من أتى بها الى تلك المناصب الوهمية، وأن مشروع "تقسيم ليبيا" مازال جاري العمل عليه على قدم وساق على يد من كتبوا مشروع تقسيم سورية والعراق أيضا، وبنفس الأدوات وفي مقدمتها الإسلام الاطلسي، ولولا الحضور المصري القوي في ليبيا لكان انتقل مسرح عمليات دواعش الاطلسي من الشام والعراق الى قلب شمال افريقيا.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل