أقلام الثبات
الأزمة السياسية داخل الطائفة السُنِّية في لبنان، شبيهة بمطلع التسعينات حتى العام 2005 بظاهرة المرحوم رفيق الحريري، الذي كان يبدو وكأنه طفل أنابيب أنجبته وحيداً الطائفة الكريمة، وبلغ الخامسة عشرة في الحُكم وليس هناك "حديدان في الميدان" سواه، وهذا ما يُؤسف له على المستوى الوطني، بعد أن غدت الطائفة حالياً عاقراً إلا من إنجاب نجله سعد، وكما تمّت تسمية فؤاد السنيورة بعد اغتيال الحريري الأب ليكون وصيَّاً على الإبن وعلى "العرش"، كذلك كانت محاولة استقدام مصطفى أديب كوكيل لتفليسة سعد الى حين زوال الحَنَق السعودي عنه، لكن أديب لم ينجح في تشكيل حكومة إدارة التفليسة الحريرية.
بصرف النظر عن الأسباب الجوهرية لإحتضان الرئيس نبيه بري للرئيس سعد الحريري، فإن المسألة ليست غطاءً شيعياً لشخصية سُنِّية، لأن بري طلب إيجاد بديل عن الحريري قبل أن يرفع عنه البطَّانية، وهكذا موقف هو شكلياً مُبرَّر بعد النكسات التي حصلت في محاولات تسمية الصفدي والخطيب وسلام قبل أن يتم استيلاد حسان دياب كمولود "غير شرعي" لدار الفتوى وزميل مرفوض من ثلاثي نادي رؤساء الحكومات وبشكلٍ خاص فؤاد السنيورة، وهذا النادي بالذات يخوض معركة الإستفراد بإدارة الموقع السنِّي في الدولة اللبنانية بغطاء من دار الفتوى لإستحالة إنجاب بديل عن سعد من رحمِ الواقع العاقر!
لا ننكر على دار الفتوى دورها السياسي وحرصها على الموقع الثالث في الدولة اللبنانية، لكن ارتهان أهل السُنَّة في لبنان لآل الحريري جوَّع ودمَّر السُنَّة كما سواهم من الطوائف في لبنان، وإقفال الخيارات أمام إنجاب شخصيات رديفة متى اعتكف سعد مسألة خطيرة على دور الطائفة، سيما وأن الحكومات الحريرية ومن ضمنها حكومات السنيورة وميقاتي وسلام ذاق منها اللبنانيون مُرّ الموت، ولسنا نُطالب الدار الكريمة بالإنكفاء عن الدور السياسي في رعاية الموقع الأبرز للطائفة في الدولة، رغم أن الطائفة الشيعية مرجعيتها السياسية ليست بالرئيس الديني، ولا الطائفة الدرزية، ولا كل الطوائف المسيحية باستثناء محاولة البطريرك الراعي لعِب دور "المفتي الوطني" وهو لا يمُون على زاروب ماروني في كل أنحاء أنطاكيا وسائر المشرق.
إذاً، ليس الإستياء الشعبي في المماطلة القاتلة بالتشكيل أو الرحيل في عهدة دار الفتوى، بل بالشارع السني الذي ما زال سعد الحريري الأقوى فيه، لا لأنه قوي بل لأن الآخرين ضعفاء، حتى ولو ضعَف الجزء السعودي في هيكل الشيخ سعد المُتداعي ويحاول ترميمه عبثاً بوساطة إماراتية، فالسعودية لا تتعاطى مع المؤسسات الطائفية والحزبية والسياسية في لبنان كمؤسسات، بل مع أشخاص، سواء كان الميقاتي أو سلام أو وليد جنبلاط أو سمير جعجع أو حتى سامي الجميل، لأنها تبحث عن أزلام لمشاريعها، وهي التي قررت في الوقت الحاضر أن تكون الساحة السُنِّية عاقراً لأنها لا تريد لعهد ميشال عون أن يحكُم...