أقلام الثبات
ليس ما يحصل قي "إسرائيل" يستوجب كل هذه التحليلات والتقديرات من المحللين العسكريين والإستراتيجيين، حول الخطوة التي قد يُقدِم عليها نتانياهو لإعادة خلط الأوراق بمواجهة الحكومة الائتلافية التي أسقطته، والتي سوف تمثُل خلال أيام أمام الكنيست لِنَيل الثقة. وهذه الإجتهادات التي يطلع بها محلل من هنا وآخر من هناك، ليست واقعية بل هي واهية، خصوصاً في افتراضها قيام نتانياهو بإشعال حربٍ مع إيران أو مع حزب الله خلال الأيام العشرة الأولى من إسقاطه، لأن "جيش الدفاع الإسرائيلي" أصِيب بمصيبة في آخر مواجهاته مع قطاع غزة، والقِبَّة الحديدية تبيَّن أنها كما "فزاعة الحقول"، وعاجزة عن صدّ عشرات الصواريخ المتواضعة، فكيف لها أن تواجه انهمار آلافٍ من الصواريخ المتطورة، سيما وأن نتانياهو بنظر الشارع الإسرائيلي قد خسِر حرباً وسقط فيها صريعاً على حدود قطاع غزة، وبندقيته باتت فارغة ؟!
فراغ بندقية نتانياهو يوازيه فراغ قي عقل أحد خليفيه في رئاسة الحكومة، الذي أعلن أنه قد يشنُّ مستقبلاً حرباً على إيران أو لبنان، فيما أطلَّت من قلب "البيت الإسرائيلي" صحيفة "نيويورك تايمز"، وتحدثت عن سيطرة حالة الخوف والحذر في صفوف يهود "الحريديم"، في مقالٍ يتناول ردود الفعل حيال صفقة ائتلاف "حكومة التغيير"، وحذَّر "مجلس حكماء التوراة" في بيان، من أن التوراة والطابع اليهودي لأرض إسرائيل في خطرٍ داهمٍ ووشيك.
وفي مقاربة لأرض الواقع عن حالة الإرباك في المجتمع الصهيوني، أعلن منظمو مسيرة اليمين الإسرائيلي الخاصة بما يسمى "يوم توحيد القدس" والتي كانت مقررة هذا الأسبوع، إلغاء المسيرة بعد رفض الشرطة الإسرائيلية منحهم الإذن، فيما دعا مفتي فلسطين الشيخ محمد حسين إلى شد الرحال للمسجد الأقصى، وفي الوقت ذاته حذرت حركة «حماس» من تجدد النزاع في حال مضى المتطرفون قدماً بتنظيم المسيرة، وفي المقابل إتهم أحد أعضاء الكنيست الشرطة الإسرائيلية بالإستسلام أمام تهديدات الفلسطينيين.
هذا الإنقلاب التاريخي في الصراع العربي – الإسرائيلي بعد نصر غزة نُصرةً للقدس وحيّ الشيخ جراح، سواء عبر إنتفاضات الشارع الفلسطيني أم عبر الصواريخ التي أنزلت شعب العدو الى الملاجىء، يقرأه العالم كما لم يقرأ منذ 73 عاماً، وسط قناعة أميركية بالعودة الى حلّ الدولتين، وتنديد دولي بجرائم الحرب الصهيوينة، ويقِف عرب التطبيع على أنقاض "صفقة القرن" وعلى هامش الحسابات الإسرائيلية الجديدة، أن محاولة تهجير سكان حي الشيخ جراح ألهبت عسقلان وتل أبيب بصواريخ مقاومة الداخل، فماذا سيحصل لو حاول المُغامرون السير بصفقة تطال غور الأردن والجولان السوري وشبعا اللبنانية، وما هو مصير "إسرائيل" أمام حربٍ إقليمية ؟!
المخاوف الأكبر الآن بدأت بالإقتصاد، وتحديداً بالإستعدادات الخليجية للإستثمار في الداخل الصهيوني على وقع عمليات التطبيع والتبادل التجاري، بحيث أجمع خبراء على أن مقولة "الرأسمال الجبان" تنطبق على واقع هذه الإستثمارات المزعومة، وأن أي درهم أو ريال خليجي يُصرف فيها إنما هو فاقد للإئتمان، ومغامرة متهوِّرة وسط بيئة عنصرية مهدَّدة من محيطها طالما هناك احتلال وعدوان، خصوصاً أن توازن الرعب والردع بات في الداخل الفلسطيني وقد لا تحتاج الأمور لا الى صواريخ تنطلق من إيران ولا من جنوب لبنان...