أقلام الثبات
ما سعى من أجله بنيامين نتنياهو رئيس حكومة كيان الاحتلال الصهيوني، خلال السنوات الأخيرة، لإبعاد المقصلة عن رقبته، بالمعنى السياسي والشخصي قد انتهى، أو على مسافات أيام قليلة من الانتهاء . فقد جهد نتنياهو وحزبه الليكود خلال الجولات الأربع لانتخابات " الكنيست " بهدف تثبيت فوزه في رئاسة الحكومة، فسلك كل الدروب والطرق للوصول إلى غايته، لكنه لم يفلح، وأصبح وجهه داخل جدار توافق " نفتالي بينيت "، رئيس حزب " يمينا "، مع " يائير لابيد "، رئيس حزب " يوجد مستقبل "، على تشكيل حكومة ائتلاف بالتناوب، بعد أن انضم إليهما الساقط وطنياً وأخلاقياً ما يسمى برئيس القائمة الموحدة " منصور عباس "، الذي وصف أسرانا الأبطال بالإرهابيين .
نتنياهو في هذه الأيام يعيش أسوأ أيامه، وهو كما الثور الهائج، يريد أخذ كل شيء من شأنه خلط الأوراق، في سبيل قطع الطريق على أية حكومة ائتلافية بين قطبي " بينت ولابيد "، ومنع تشكيل تلك الحكومة بعد حصولها على ثقة " الكنيست " . وهو لأجل ذلك قدم تنازلات مغرية لأقطاب فيما يسمى ب" اليمين المتطرف "، لتشكيل إئتلاف من ثلاثة أقطاب تتناوب على رئاسة الحكومة . ولم تقف حدود ثورة فلتان أعصاب نتنياهو عند ذلك، بل ذهب وخلال مراسم تسلم الرئيس الجديد لجهاز " الموساد " مهامه، إلى القول “ إذا اضطررنا إلى الاختيار، وآمل أن هذا لن يحدث، بين الاحتكاك مع صديقتنا الكبيرة الولايات المتحدة، وبين إزالة التهديد الوجودي، فإن كفة إزالة التهديد الوجودي ستكون الغلبة فيها للأخيرة " . وتابع قوله لقد أبلغت الرئيس الأميركي جو بايدن، أن حكومته " ستواصل العمل للحيلولة دون حيازة إيران على سلاح نووي، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق معها " .
إنّ تفلت نتنياهو، يأتي من خلفية أنه أدرك أنّ تاريخه السياسي قد انتهى، بعد سنوات طويلة أمضاها في رئاسة حكومة الكيان، وبذلك انتهت اسطورة الحاكم بأمره في كيانٍ يعيش منذ سنوات مأزقاً سياسياً ووجودياً حاداً، عمقته المواجهة الأخيرة بين المقاومة وشعبنا من جهة، والكيان الصهيوني من جهة أخرى .
كان انتصار المقاومة بائناً وأشد وضوحاً من كل المواجهات السابقة، الأمر الذي نستطيع الجزم معه، أننا مع تحول إستراتيجي في مشهد الصراع الذي سيبقى مفتوحاً طالما بقي الكيان مغتصباً ومحتلاً لأرضنا ومقدساتنا الفلسطينية، وعلى وقع ما قد يصح تسميته بهوبرات نتنياهو، سارعت إدارة الرئيس بايدن إلى أخذ تلك الهوبرات البهلوانية على محمل الجد، فأرسلت في طلب وزير الأمن الصهيوني " بني غانتس " إلى واشنطن، لتحميله رسالة واضحة، أنّ الإدارة الأميركية لن تسمح بأن ينفذ نتنياهو تهديداته، وبالتالي على غانتس من موقعه ألاّ ينفذ رغبات نتنياهو بالقيام بأي عمل عسكري ضد إيران . بتقديري هدفت الإدارة الأميركية لخطوة استدعاء غانتس لتحقيق مسألتين، الأولى رسالة لمعارضي نتنياهو أنها قد تخلت عنه، وإعطاء المترددين في معسكر المناوئين لنتنياهو بعدم التردد في الإطاحة به من رئاسة حكومة كيان الاحتلال .
وبهذا المعنى ليس مستبعداً نهائياً، أنّ الإدارة الأميركية هي من وقفت وراء تسهيل تفاهمات " بينت ولابيد "، وليس مستبعداً أيضاً أنّ تلك الإدارة، وعلى الرغم من تصريحاتها المعلنة حول الالتزام بأمن الكيان، غير أنها كانت سعيدة بما لحق ببنتياهو من هزيمة على يد المقاومة، لتجد تلك الإدارة نفسها أكثر تحرراً في المضي نحو العودة المرتقبة إلى الاتفاق النووي الإيراني .
نتنياهو على مدار أيام المواجهة العسكرية مع المقاومة وما تلاها حتى الإعلان عن التوصل لتفاهمات الثنائي " بينت لابيد "، كان موضع تندر وتهكم من قبل الكثيرين من قادة ومسؤولين وإعلاميين داخل الكيان . إلى حد وصف تهديداته بالمزايدات الفارغة واليائسة، وتهدف فقط إلى تأليب مزاج مجتمع المستوطنين ضد ما تسمى ب" حكومة التغيير " . إلى حين عقد جلسة منح الثقة فيما يسمى ب" الكنيست "، لحكومة ائتلاف برئاسة رأسيها " بينت ولابيد "، وما سيتتبعها من تقلبات وخضات سياسية، سيبقى المأزق والصراع السياسي، يحفر عميقاً في جسد الكيان، الذي فشل في مواجهة الشعب الفلسطيني ومقاومته، وإحدى مظاهر هذا الفشل تمثل في تراجع شرطة الكيان عن قرار متح الإذن ل" مسيرة الأعلام " المنوي تنظيمها الخميس المقبل .