الثبات - مقالات
قضايا الفكر المعاصر
فقه الأقليات المسلمة
الدكتور العلامة وهبة الزحيلي
أصبحت العناية بفقه الأقليات اليوم ظاهرة ملحة تتطلب المزيد من اللقاءات والندوات الاجتماعية التي لا ينفرد بها أحد أو قلة من بعض العلماء، وإنما تتطلب اجتهاداً جماعياً، وتعاوناً مشتركاً، ليكون الرأي أكثر نضجاً، وأقرب إلى الصواب، والمسلمون في كل زمانٍ ومكانٍ، قديماً وحديثاُ، يعيشون في مجتمعٍ متعدد الملل والمذاهب والأجناس والنزعات، وهذا يتطلب التعايش والتفاعل مع هذا المجتمع الذي أراده الله تعالى، للاختبار وتقابل الأضداد أو المتناقضات، وتكامل الكون، وليعرف الحق من الباطل، والخير من الشر، وتلك حكمة إلهية قائمة عميقة المدى، كما قال الله سبحانه: {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأرضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}.
والنجاح في هذا التعايش يتطلب منِّا نحن المسلمين مراعاة المبادئ الثلاثية الآتية:
1-ترغيب الناس في الإسلام، والحرص على اجتذاب أنظارهم وعواطفهم وتوجهاتهم نحو شرعة الحق، ليظفروا بالسعادة الغامرة في الدنيا والآخرة.
2-دعوة الآخرين إلى الدين الحق بالحكمة والموعظة الحسنة قولاً، وبالسيرة الحسنة والأسوة الطيبة فعلاً، كما وجهنا القرآن الكريم في قوله تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.
3-الحفاظ على الشخصية الإسلامية المتميزة من الانجراف والانهيار أو الذوبان، والاعتصام بعزة الإسلام، وشرف الانتماء للأمة المسلمة دون اختلاط، ولا ضياع، ولا انزلاق في حمأة الملل الأخرى، أو التقاليد الغربية عن الإسلام، لقوله تعالى مخاطباً نبيه وأمته من بعده: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.