أقلام الثبات
خامساً مستوى الكيان الصهيوني منذ قيام الكيان الصهيوني في العام 1948، على حساب الشعب الفلسطيني الذي تمّ طرده من أرضه بقوة القتل والمجازر . حظي هذا الكيان بالرعاية والإحاطة المباشرة من قبل قوى الاستعمار، ومن ثم من قبل الولايات المتحدة الأميركية، التي قدمت لهذا الكيان الهجين كل أسباب االقوة والاستمرار، وحماية من المساءلة القانونية والأخلاقية عن جرائمه المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني . وهي من أجل ذلك مارست السطو والهيمنة على الأمم المتحدة لا سيما مجلس الأمن، الذي منعته من اتخاذ أية قرارات تدين الكيان الصهيوني، واستخدمت لصالحه حق النقض الفيتو عشرات المرات. ومارست الضغوط التي أثمرت في دفع العديد من االدول العربية بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية إلى توقيع اتفاقات إذعان مع الكيان، صبت جميعها في تأمينه وتأمين مصالحه .
وذهبت إلى أبعد من ذلك، بأن غطت سياساته في التهويد والاستيطان ومصادرة الأراضي، واعترفت بالقدس الموحدة عاصمة للكيان، وأعلنت عن "صفقة القرن "، لتصفية القضية الفلسطينية بكل عناوينها، وهي أي الولايات المتحدة من أجل تسهيل تثبيت الكيان وجعله جزءاً أصيلاً في المنظومة الإقليمية لدول المنطقة، صاغت رؤية لما سمي ب" الشرق الأوسط الجديد "، قوامه التخلص من قوى المقاومة والممانعة في المنطقة بعد فرض العقوبات والحصار على الدول المساندة للمقاومات بما فيها المقاومة الفلسطينية . والإدارة الأميركية وحلفاؤها وأدواتها الوظيفية ذهبت وكرمى عيون الكيان، إلى تفجير الحروب تحت مسمى " الربيع العربي "، التي أتت على الأخضر واليابس في المنطقة، والتي ما زالت نيرانها مشتعلة في أكثر من مكان ودولة وقطر . ولكن لم يكن الكيان ومعه الإدارة الأمريكية ودول اتفاقات التطبيع " إبراهيم "، يقرأون جيداً التحولات التي طرأت في المنطقة بعد أن سقط مشروع تقسيمها، واستعادة محور المقاومة حضوره وزخمه ومراكمة قدراته وإمكانياته، بعد الانتصارات التي تحققت على الجغرافية السورية والعراقية واليمنية والفلسطينية، بفضل صمود سورية وإيران كقوتين إستراتيجيتين في عمقهما وموقعهما في محور المقاومة .
لقد اعتقدوا واهمين أنّ الذهاب باتجاه اختراق النسيج العربي عبر اتفاقات التطبيع مع نظم رجعية عربية، يحقق لهم هدف فرض الإذعان والاستسلام على الشعب الفلسطيني ومقاومته، وبأنه ليس أمامهم إلاّ الاعتراف بالكيان ك" دولة يهودية " وعاصمتها القدس الموحدة .، بحسب اعتراف ترامب، الذي وضع أهلنا المقدسيين كما أسلفنا أمام خيارين لا ثالث لهما، أما أو، وكان رد شعبنا بأنه اختار المواجهة للذود عن مدينته ومقدساته نيابة عن سائر الشعب الفلسطيني .
مع اندلاع هبة القدس في رمضان المبارك، ودخول المقاومة في غزة استجابة لنداء المناصرة الذي أطللقه أهلنا في القدس والمرابطون في المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، تحركت المقاومة بعنوان ردع العدو ومنعه من استمرار عدوانه على القدس وأهلها ومقدساتها . وفي تزامنٍ رائع هبّ أهلنا في أراضينا المحتلة عام 48 لنصرة القدس، فزحفوا نحو المدينة، وتحركوا في ساحات وميادين مدننا في اللد وحيفا ويافا وأم الفحم وعكا والناصرة يتصدون لقطعان المستوطنين الذين فروا هاربين أمام شباب فلسطين الذين أنزلوا أعلام الكيان ورفعوا بدلاً منها الأعلام الفلسطينية .
الأمر شكل سابقة وتحولاً إستراتيجياً في شكل العلاقة التي عمل عليها الكيان منذ 73 عاماً، ولم يفلح في دمج وتذويب المجتمع الفلسطيني في منظومة كيانه . مع تدحرج المواجهات والعمليات العسكرية بين المقاومة والكيان، كان لابد من ضرورة ألاّ تقف الضفة الغربية على الحياد كما كان يراد لها في المرات السابقة .
وعلى وقع المجازر والقتل الذي مارسه العدو ضد أهلنا في غزة، والصمود والأداء العسكري المميز للمقاومة، تحركت الضفة الغربية بشبابها ورجالها ونسائها وحتى أطفالها نصرة للقدس وغزة .
وفي هذا المستوى نسجل الآتي :-
1. فشل ذريع مني به الكيان لجهة التأكيد على يهودية كيانه، بعد 73 عاماً على قيامه كقوة احتلالية وإجلائية مغتصبة للأرض الفلسطينية . وبذلك تعرى الكيان ككيان ديمقراطي وحيد في المنطقة، وخسر حرب الصورة من خلال استهدافه المدنيين ومن بينهم الأطفال، وباستهدافه المكاتب والوسائل الإعلامية للحد من عملها في الكشف عن جرائمه المرتكبة بحق العزل والمدنيين في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس .
2. هزيمة وجودية مني بها الكيان وقادته، في عدم قدرتهم على فرض سرديتهم المزيفة، في مواجهة الرواية الفلسطينية التي أكدتها الحراكات التي شهدتها فلسطين المحتلة عام 48 .
3. جيل الشباب الفلسطيني الذي انتشر في الساحات والميادين يطادر المحتل ومستوطنيه، هو ذاته الجيل الذي استهدفه الكيان من أجل نقله لسياق من خارج الاهتمامات الوطنية المتصلة بقضيته وعناوينها، مستخدماً كل الوسائل والأساليب بما فيها اللاخلاقية، للوصول إلى ثقب داتا ذاكرته وكي وعيه . وهذا ما ذهبت إليه صحيفة " هآرتس " العبرية في قولها : " أنّ الأحداث في الضفة وداخل إسرائيل، توضح لحكومة إسرائيل، أنه لم يعد بالإمكان التعويل على اللامبالاة التي ميزّت الجمهور الفلسطيني في العقد الأخير . من دون صلة بموقعه الجغرافي، والرابطة الوطنية لا تزال تتأجج فيه " . وختمت الصحيفة " للمجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة، الرسالة هي أنه بعد 73 عاماً، حان الوقت للسعي إلى إنهاء النزاع وليس إدارته . وللقيادة السياسية للمجتمع العربي أُوضح ان المواطنين العرب في إسرائيل لم يتخلوا عن هويتهم الوطنية الفلسطينية " . وذهبّ البعض للقول :- بأنّ كل شيء قد انهار، وعلينا البحث عن أماكن أكثر أمناً .. والفلسطينيين يواجهوننا بقوة وصلابة، فهم يدافعون عن وطنهم، وعلينا الرحيل . وبعد أن انهارت جبهته الداخلية، أضحى ما يزيد عن 4 ملايين مستوطن في الملاجئ، المترافق مع انهيار واضح في المعنويات والثقة بقدرة كيانهم وجيشهم على حمايتهم . بالإضافة إلى أنّ مستوطنات الضفة بالإضافة إلى تل أبيب شهدت نزوحاً جماعياً، وأنّ أعداداً كبيرة من المستوطنين استأجروا بيوتا في مستوطنة " بيت حورون " ومستوطنة " جفعات زئيف "، بسبب ما أسموها " حالة الرعب التي تجتاح تل أبيب " . فوزير الجبهة الداخلية السابق في الكيان آفي ديختر، قال المشهد أصبح مختلفا جداً : ف" الحرب اندلعت في شوارع إسرائيل وأن الأغلبية مذهولة ولا تصدق ما تراه " .
4. الكيان اليوم يقاتل على 3 جبهات في قطاع غزة والضفة بما فيها القدس، ومناطق فلسطين المحتلة 48، التي اعتبرها الكيان من أخطر الجبهات، لأن الوحش الفلسطيني - بحسب وصفهم - يأكل أحشاءنا من الداخل .
5. المقاومة والشعب الفلسطيني ألحقوا الهزيمة بالعدو في كل المستويات العسكرية والأمنية والاقتصادية والأخلاقية، وعلى جبهة الوعي والرواية، وسردية أنّ فلسطين هي من البحر إلى النهر .
6. أدرك الكيان وقادته أنّ الشعب الفلسطيني بمقاومته، هو اليوم صاحب اليد العليا، ولا يمكن هزيمته، وهذا ما سيترك من التداعيات الشيء الكبير على الكيان وتعميق مأزقه الوجودي .
7. ما يجري اليوم سيدفع بالصراع داخل الكيان بين مكوناته وأحزابه إلى الاحتدام، حيث يحمِّل الكثيرون ومن مختلف الأحزاب الصهيونية نتنياهو مسؤولية الكارثة التي حلت بكيانهم، لأنه كان وراء دفع الأوضاع إلى التفجر والمقاومة في مدينة القدس، لأسبابه شخصية في الحفاظ على مستقبله السياسي المتهاوي بعد 4 جولات اننتخابية لما يسمى ب " الكنيست " . وعليه سيعمد خصوم نتنياهو في توظيف واستثمار ما جرى ويجري للانقضاض عليه وإسقاطه .
8. تكبده الخسائر العسكرية الفادحة، وانهيار منظومة قبته الحديدية، التي قال فيها المحلل السياسي جدعون ليفي: " إسرائيل تعيش في فوضى والقبة الحديدية ليست الحل" . كما تحدث " ألوف بن " من صحيفة " هآرتس " قائلاً : " هذه هي أكثر عمليات الفاشلة وغير الضرورية، يجب أن تتوقف حالاً .إننا نشهد فشلاً عسكرياً وسياسياً خطيراً، كشف النقاب عن أوجه قصور في انتشار الجيش وعمله، هنا قيادة مشوشة وعاجزة" . وبدوره يوآف ليمور كتب في صحيفة " إسرائيل اليوم " العبرية " يقول: "إسرائيل فقدت قدرتها على الردع أمام غزة " . أما المحلل العسكري يوسي يهشوع في صحيفة " يديعوت أحرونوت "، فقد كتب وأصبحت " الدولة العُظمى تتهاوى وتعيش أزمة قيادة " .
9. فشل قادة الكيان من الإقدام على شن عملية برية، قد حوّل القوات البرية للجيش إلى دور هامشي، أوحى بعدم قدرته وجاهزيته لعملية عسكرية برية داخل القطاع.
10. تهاوي اقتصاد كيان العدو على جميع المستويات، حيث بلغت الخسائر وحتى اليوم الرابع من العدوان الصهيوني ورد المقاومة، ما يزيد عن 543 مليون دولار . فضلاً عن انهيار في البورصة، وفقدانها أكثر من 30 بالمائة من قيمتها السوقية وخسائر بالمليارات، كما أن أكثر من 300 شركة متعددة الجنسيات توطنت بالكيان، تعيد النظر بسبب اهتزاز دعاية المناخ الآمن والمربح التي يروجها لها كيان الاحتلال، في قطاعات التكنولوجيا والاتصالات والأجهزة الطبية والزراعة والطباعة الرقمية . وعليه فقد تعيد الدول المستثمرة في الكيان النظر، وهي الإمارات 10 مليارات دولار . والصينية البالغة 3.5 مليار دولار، والأميركية بقيمة 21 مليار دولار، والهولندية بقيمة 13.5 مليار دولار، والكندية بنحو 4.7 مليار دولار . وهي في مجموعها 52,7 مليار دولار .
11. مني الكيان بفشل المخطط الذي عمل عليه بمساعدة عدد من الدول العربية في ظل ما سمي ب" الربيع العربي " وبعده والهادف إلى تهميش القضية الفلسطينية و" صهينة العالم العربي " .
باختصار، فإن العدوان الجديد، والتصدي البطولي للمقاومة وأبناء شعبنا، أعاد القضية الفلسطينية الى واجهة الأحداث، وإلى الاحتضان لها من جديد، وتحديداً لدى الأجيال الطالعة من أبناء أمتنا وأحرار العالم .