إبريق زيت الحوار اللبناني 1697 - 2021 وما بعدها (7/16) ـ أحمد زين الدين

الثلاثاء 01 حزيران , 2021 08:07 توقيت بيروت أقلام الثبات

الجميل وجعجع يتحالفان وينقلبان على حبيقة ويسقطان الاتفاق الثلاثي

أقلام الثبات

ثمة أسئلة كثيرة يطرحها اللبنانيون، كلما سمعوا عن حوار مزمع، أو التحضير لحوار، ومن هذه الأسئلة:
ماذا يمكن أن ينتج، وماذا ينتظرنا بعده وهل نحن أمام هدوء واستقرار أم أمام مرحلة جديدة من مخاض صعب لا يعرف متى ينتهي؟
واللبنانييون كما كانت حواراتهم تنتج أحياناً أزمات أو مدخلاً لأزمات كبرى، وحروب، كانت أيضاً مدخلاً لحلول، وفي كل الحالات، فإن التشديد والعمل من أجل الحوار له معنى واحد أن هناك أزمة ولابد من حل لها.

 

عند كل منعطف وعند كل أزمة، كان اقطاب السياسة اللبنانية يرفعون شعار "الحوار الوطني" للخروج من المطب أو المطبات التي تعترض "مسيرة البلاد" ..
هكذا وبعد التطورات التي أخذ يشهدها لبنان منذ الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 حيث بدأت المواجهة الشاملة للمرحلة الجديدة، فكانت المرحلة الأولى من نجاح المواجهة من المشروع الإسرائيلي إسقاط اتفاق 17 أيار على نحو ما أسلفنا في الحلقة السابقة.
وعلى هذا النحو تواصلت المواجهة التي أخذت تشهد تداعيات، حتى في داخل كل فريق من افرقاء المواجهة المحليين.
ففي 14 آب 1984 توفي مؤسس حزب الكتائب ورئيسه الأعلى بيار الجميل، فانتخب خلفاً له ايلي كرامة في رئاسة الحزب، كما تم الانقلاب على فادي افرام في قيادة "القوات اللبنانية"، وعين بدلاً منه فؤاد أبو ناضر، وهنا بدا الرئيس أمين الجميل وكأنه أصبح ممسكاً بكامل ورقة المنطقة الشرقية، وإثر قرار اتخذ بإزالة حاجز البربارة في العام 1985، بدأ التحضير سرياً لانتفاضة على قيادة "القوات اللبنانية" الجديدة. وعند فجر 2 آذار 1985، حصلت الانتفاضة فاقصي أبو ناضر عن القيادة وشكلت هيئة طوارئ بقيادة سمير جعجع وايلي حبيقة، لكن الخلاف ما لبث أن نشب بين قطبي هذه الانتفاضة، فانقلب حبيقة على جعجع في 9 أيار وتسلم قيادة القوات. بعد هذه التطورات بدأت مرحلة جديدة في الحياة السياسية اللبنانية، عندما بوشر في مفاوضات مباشرة في العاصمة السورية دمشق بين "القوات اللبنانية" وحركة "أمل" والحزب التقدمي الاشتراكي.
وبعد مفاوضات شاقة، وحوار طويل بين الاطراف الثلاثة أمكن التوصل إلى اتفاق سياسي شامل أطلق عليه اسم "الاتفاق الثلاثي"، فوقع في أواخر كانون الأول في دمشق من قبل قيادة "القوات" ممثلة بقائدها ايلي حبيقة، وحركة "أمل" ممثلة برئيسها نبيه بري، و"الحزب التقدمي الاشتراكي" ممثلاً برئيسه وليد جنبلاط، وبحضور عدد كبير من القيادات السياسة والحزبية اللبنانية في عاصمة الأمويين.
لم يدخل هذا الاتفاق حيز التطبيق العملي، ولم يتسن له أن يبصر النور، لأن سمير جعجع بالاتفاق مع رئيس الجمهورية أمين الجميل قادا انقلاباً في 15 كانون الثاني 1986 ضد حبيقة، فسقط "الاتفاق الثلاثي" واخرج ايلي حبيقة ممن المنطقة الشرقية بعد معارك ضارية.
يذكر أنه في هذا الوقت كان غربي العاصمة بيروت يشهد سلسلة من التطورات الامنية أبرزها حرب المخيمات بين حركة "أمل" وبعض المنظمات الفلسطينية في تشرين الثاني 1985، وحرب الشوارع بين عدد من الأحزاب والتنظيمات، في نفس الوقت الذي بدأ يسجل فيه تدهور اقتصادي كان أبرزه التدهور المريع في سعر صرف الليرة اللبنانية ... 
وطال الانقسام رأس السلطة في لبنان بحيث لم يطل الشهر الثاني من عام 1986 حتى أعلن الرئيس رشيد كرامي مقاطعته لرئيس الجمهورية، وفي 10 آب وقع تمرد داخل "القوات اللبنانية" استمر يوماً واحداً، وأدى الى ازمة ثقة عميقة بين امين الجميل وسمير جعجع، وفي 27 أيلول فشلت محاولة ايلي حبيقة لاقتحام الشرقية، وفي 28 أيلول وقع الخلاف بين الجيش والقوات، ما ادى الى مقتل ضابطين من القوات، تبعه اغتيال قائد اللواء الخامس في الجيش اللبناني العقيد خليل كنعان فكان أن نشأت حالة من الشك بين العماد عون وجعجع. وجاء العام 1987، وكل أبواب الحوار كانت مغلقة، في ظل مزيد من الانقسامات. ومن الصراعات الداخلية خصوصاً بين حركة "أمل" و"الاحزاب" مع ازدياد في تدهور الوضع الاقتصادي وتراجع مذهل في قيمة الليرة اللبنانية. ومع ازدياد تدهور الاوضاع الامنية في غربي العاصمة، كانت الاستعانة بالقوات السورية التي عادت للتمركز في بيروت ثم في الضاحية. وفي الاول من حزيران اغتيل الرئيس الشهيد رشيد كرامه بتفجير الطوافة التي كانت تقله من طرابلس الى بيروت. 
لبنان بلا رئيس 
وهكذا أطل العام 1988 وسط انقسام حاد على مستوى لبنان، بشكل عام في كل من شطري العاصمة. ورغم أن موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية كان يقترب إلا ان كل شيء كان يدل على انه ليس هناك نية في هذا الشأن، وحدد رئيس مجلس النواب حسين الحسيني، يوم 8 آب لانتخاب رئيس جديد، وكان الوحيد الذي اعلن ترشيحه بدعم سوري هو الرئيس الاسبق سليمان فرنجية، لكن نصاب الجلسة لم يكتمل، حيث عمل كل من الجميل وعون وجعجع مع اختلاف كل واحد في حساباته على منع عقد هذه الجلسة، فراح الجميل وجعجع يعملان لمنع النواب من الوصول الى هذه الجلسة، بحيث انه جاء وقتها ولم يكتمل النصاب، وسجل هنا للنائب الراحل ألبير مخيبر موقفه المميز، حيث رفض كل التهديدات التي وجهت له، وأصر على الحضور وهو الموقف نفسه، الذي كان اتخذه في آب حيثما رفض النزول الى مجلس النواب لانتخاب الرئيس بشير الجميل، رغم كل التهديدات التي كانت وجهت اليه ايضاً، مفضلاً رئيساً توافقياً في ظل الواقع الخطير المتجسد بالإجتياح الاسرائيلي. فشلت كل محاولات انتخاب رئيس جديد للجمهورية وكان ابرزها اتفاق الاسد - مورفي الذي قرر ترشيح النائب مخايل الضاهر. وهكذا انتهت المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في أيلول، وفي الدقائق الاخيرة من عهده، شكل الرئيس الجميل حكومة عسكرية برئاسة العماد عون، تاركاً "الوضع في ظل حكومتين" لتشهد البلاد مزيداً من الانقسامات والشرذمة، لم تفلح كل المحاولات لرأبها وكان ابرزها المحاولة العربية التي دعت رئيسي الحكومتين سليم الحص وميشال عون الى تونس، لكنها لم تتوصل الى نتيجة عملية، وفشلت اللقاءات والمبادرات الحوارية للوصول الى حل وكان ابرزها في 17 آذار 1989، حيث عقد لقاء في بكركي ضم حشداً كبيراً من النواب والسياسيين. 
إلى أن جاء الحل المنتظر من العرب ففي 23 آذار 1989 عقد مؤتمر القمة العربية غير العادية في الدار البيضاء، وكان واضحاً من انعقاد هذا المؤتمر ان قرار إنهاء الأزمة اللبنانية قد اتخذ ووجب اقفال ملفها نهائياً، وجاء في مقررات القمة انه تقرر تشكيل لجنة عربية ثلاثية من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز والملك المغربي الحسن الثاني، والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد مهمتها مساعدة لبنان على الخروج من أزمته وإنهاء معاناته الطويلة، وإعادة الاوضاع الطبيعية إليه وتحقيق الوفاق الوطني بين أبنائه ومساعدة الشرعية اللبنانية القائمة على الوفاق وتعزيز جهود الدولة اللبنانية لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي وبسط سلطة الدولة اللبنانية كاملة على جميع التراب اللبناني بهدف حماية امتها واستقرارها بنوابها وسلطتها الفعلية ومؤسساتها المركزية على كامل التراب اللبناني، تمهيداً لإعادة إعمار لبنان وتمكينه من استئناف دوره الطبيعي ضمن الاسرة العربية. وهكذا باشرت اللجنة العربية عملها وأوفدت الاخضر الابراهيمي لبدء المساعي والاتصالات مع كل اطراف الازمة اللبنانية، فأصدرت في مطلع شهر ايلول 1989 قرارات بدعوة النواب اللبنانيين الى الاجتماع في الطائف في الثلاثين من شهر أيلول 1989، بعد أن أعلنت وقفاً لإطلاق النار ورفع الحصار البحري المتبادل وفتح مطار بيروت الدولي والإشراف على وقف إطلاق النار. في 17 أيلول وصل الابراهيمي وبدأ مساعيه وكان مؤتمر الطائف الذي انتج وثيقة الوفاق الوطني.

يتبع ... 

(حلقة جديدة كل ثلاثاء وخميس)


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل