أقلام الثبات
في ذروة المعركة السياسية بعد معركة "سيف القدس"، لا تزال الصواريخ على تعميرها، بموازاة التحرك المصري المتواصل بعد جولة وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن على عدد من دول المنطقة، مستثنيا السعودية، وهي سابقة في الجولات الاميركية على هذا المستوى، او الموضوعات ذات الصلة .
ان جولة بلينكن من حيث شكلها ذات دلالة في مضمونها واكثر من رسالة، لانها واكبت وقف اطلاق النار بين الكيان الصهيوني، والمقاومة الفلسطينية، لكن الدلالات الاعمق في اعلان مهندس السياسة الخارجية الاميركية الحالي، تمثلت في أن واشنطن ترى أن" التعايش بين دولتين - إسرائيل وفلسطين - هو أفضل طريقة لتحقيق السلام في المنطقة" من دون تحديد ماهية الدولة الفلسطينية الموعودة، ومصير المستوطنات .وكذلك فان الوعد الاميركي يتضمن شبه تعهد بان الولايات المتحدة ستعيد فتح قنصليتها في القدس الشرقية، كما أعلن بلنكن ومسؤولون اخرون عن نية أميركية لمساعدة الفلسطينيين، عامة ولإعادة إعمار قطاع غزة.
الخلاصة الاولى المستنتجة من كلام الوزير الاميركي ترتكز على قائمتين اولها ان الادارة الاميركية الجديدة لم تدرج في اولوياتها "التسوية"، سيما انها ركزت على دعم الارهاب الصهيوني بكل مندرجاته من خلال ترديد كل المسؤولين الاميركيين ان "الراسخ لحق إسرائيل المشروع في الدفاع عن نفسها وشعبها"، والادانة بشدة "إطلاق الصواريخ من قبل حماس والجماعات الإرهابية الأخرى"، وفق وصفهم ولا سيما وزير الدفاع الاميركي لويد اوستن، الذي ركز كما غيره على "أهمية اتخاذ جميع الأطراف خطوات لاستعادة الهدوء"، مع اغفال تام للجرائم التي ارتكبتها اسرائيل، والتي تصل الى جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، مثلما شخصت المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة.
إذاً الباطن الاميركي الغشاش، لكنه مكشوف، يكمن في تبريد الجبهات بعد الاختبار القاسي الذي عاشه الكيان من رعب الصواريخ، بينما الهدف المركزي من "التبريد - الهدؤ" هو الاستثمار السياسي ضمن محاولات تفريغ النصر الواضح من محتوى الانجاز غير المسبوق على ارض فلسطين، واطلاق عملية سياسية غير واضحة تقدم فيها للفلسطينيين عبر السلطة القائمة وعوداً شكلية، و تتخذ من العامل "الانساني" ذريعة كنوايا طيبة ، في ضؤ قناعة فلسطينية، ان القضية استعادت رونقها ووهجها، بان البندقية المقاومة هي السبيل الوحيد لتحرير الارض واستعادة الحقوق، وهذا الامر وعته القيادة الفلسطينية للمقاومة المتيقنة ان تحرير فلسطين، كل فلسطين بات هدفا واقعيا، اضاءت عليه بسطوع معركة "سيف القدس".
لا شك ان استعادة القضية الفلسطينية وهجها، اطاحت الخيارات التفاوضية التي فقدت صلاحيتها بعد تجربة 28 عاما مرت على اتفاق اوسلو، ولم ينتج عنها سوى تنازلات عن الحقوق، مقابل مزيد من الضغط، ولذلك فان الدفع باتجاه اطلاق عملية تفاوضية من دون الاستناد الى ميزان القوى الذي باتت احدى كفتيه القوة العسكرية المتعاظمة لقوى المقاومة، لن تنتج الا العقم المستنسخ من النكبة، لا بل سيكون اللعب على التناقضات والتلاعب بها على الساحة الفلسطينية من قبل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الاميركية ومن يدور في فضائهما احدى الاوراق الرئيسية، وهم اعلنوا عن ذلك صراحة من خلال حصر المساعدات بالسلطة الفلسطينية لاعادة تعويم رئيسها محمود عباس، والتأكيد على استمرار التنسيق الامني، ودونهما لاحاجة لوجود لبقاء عباس شخصيا.
تشهد الايام المقبلة جولة واسعة من المساعي ولا سيما في مصر التي يقصدها وزير خارجية اسرائيل، غابي أشكنازي، من أجل التداول مع نظيره المصري، سامح شكري، حول ما تصفه إسرائيل بـ"اتفاق تهدئة طويل الأمد" . كذلك يتوقع وصول وفود إسرائيلية أخرى إلى القاهرة، الأسبوع الطالع، في إطار محادثات حول اتفاق تهدئة، وأن يشارك في هذه الوفود مندوبون عن مجلس الأمن القومي والدائرة السياسية – الأمنية في وزارة الأمن. وقال مصدر سياسي إسرائيلي إن غاية هذه الاتصالات عقد "لقاء قمة" في القاهرة بمشاركة إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر، وربما الولايات المتحدة أيضا.في وقت عرضت مصر على كل من إسرائيل و"حماس" والسلطة الفلسطينية مبادرة جديدة تهدف " إلى هدنة طويلة الأجل وسنشجع على مزيد من المناقشات وربما محادثات مباشرة"، وأن المحادثات، وفق احد المطلعين سيكون في صلبها موضوع تعزيز نظام وقف إطلاق النار، ومن المتوقع أن تركز أيضا على تسريع عملية إعادة إعمار غزة.
بالمقابل يستعد الجيش الإسرائيلي إلى احتمال تجدّد القتال في قطاع غزة قريبًا، ووفق مسؤول في الجيش الإسرائيلي، فان جيشه غير قادر، إلى الآن، على تحديد درجة ارتداع حركة "حماس"، بعد 12 يومًا من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وكيف سيؤثّر الضرر في قطاع غزة على قرارها بدء حرب أخرى قريبًا".وتقدّر شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي ("أمان") أنّ 10% من المنظومات الصاروخية لفصائل المقاومة تضرّر فقط.
بلا شك اذا كان تقدير الاستخبارات الاسرائيلية ان 10 بالمئة من المنظومة الصاروخية تضررت، وهذا فيه مبالغة كبيرة لاعطاء معنويات تحطمت سواء للجيش او للمستوطنين على الاراضي الفلسطينية، فان ذلك اعتراف واضح بأن 90 بالمئة لا يزال في الخدمة، وفي حالة" تعمير"، بانتظار امر العمليات، وايضا اقرار بمصداقية ما قاله مسؤول حماس في غزة يحيى السنوار، بان ما جرى ليس الا مناورة صغيرة، ولكن هذه المرة كما رمى أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، ان وقعت ستكون حربا اقليمية .