أقلام الثبات
انتهت الانتخابات السورية بنتيجة معروفة سلفاً، كما أتى البيان المشترك الذي وقّعته كل من الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا وبريطانيا والمانيا وإيطاليا متوقعاً أيضاً في مفرداته وتعبيراته التي رفضت الاعتراف بشرعية الرئيس السوري المنبثق عن هذه الانتخابات.
وبغض النظر عن حجم التصويت الانتخابي والمشاركة الكثيفة والاحتفالات التي عمّت سوريا بعد الانتخابات، لا بد من أن نشير الى أن الانتخابات الحالية أتت كتفصيل في مشهد تمّ تكريسه ميدانياً أدى الى معادلات وموازين قوى معروفة على الأرض، وهو ما يمكن أن نعطي بعض أبرز مؤشراته كما يلي:
- ثبات الحكم السوري تحت قيادة الأسد وبظل الدولة التي قاتلت واستبسلت لمدة ما يزيد عن عشر سنوات، واستطاعت بتحالفاتها الخارجية المتنوعة سياسياً وعسكرياً، وبواسطة الجيش السوري، أن تعيد ما يزيد عن 75% من الجغرافيا السورية تحت سيطرة الدولة السورية، بعدما كانت المجموعات المعارضة والمجموعات الارهابية قد سيطرت على العديد من المناطق بواسطة الدعم والتمويل والتسليح الخارجي.
- فشل الرهان الغربي على إسقاط نظام الحكم في سوريا وتغيير المعادلة الداخلية والاقليمية كنتيجة لهذا السقوط. وكما بات واضحاً، يبدو أن هناك أجزاء من المعارضة السورية كانت قد أعطت وعوداً للخارج بتغيير السياسة الخارجية السورية في العديد من القضايا المرتبطة بإيران والخليج وتركيا واسرائيل...
- إن التصريحات المبكرة التي تحدثت عن رفع علم اسرائيل في العاصمة دمشق، ثم قيام الاسرائيليين بدعم المجموعات الارهابية القريبة من حدود الجولان المحتل ومدّها بالسلاح، وإدخال عناصرها الى مستشفيات فلسطين المحتلة للعلاج، كله يؤشر الى أن وعودًا كانت قد قطعت للخارج بفتح صفحة جديدة من العلاقات مع اسرائيل والوصول الى السلام والتطبيع (ولربما كانت الوعود تتضمن التنازل عن الجولان). ومع وصول سورية الى هذه المرحلة اليوم، تكون المعادلات الميدانية قد أسقطت هدفاً من أهداف الحملة ضد سورية، وهو توقيع اتفاق سلام اسرائيلي - سوري.
- سقوط قانون قيصر فعلياً وعملياً وإن لم يكن من الممكن إسقاطه في الكونغرس الأميركي. بعودة العرب الى سوريا وعودة العديد من السفارات الى دمشق، ومع رحيل ترامب من البيت الأبيض (الراعي الرسمي للعقوبات الاقتصادية غير التمييزية) يكون عملياً قد سقط قانون قيصر للعقوبات على سوريا.
منذ قيام الأمم المتحدة بفرض عقوبات على العراق ضمن برنامج "النفط مقابل الغذاء" وبعد الكوارث التي سببتها على الصعيد الانساني والمجاعة وموت الاطفال، لم يعد مقبولاً على الصعيد الدولي اعتماد عقوبات اقتصادية غير تمييزية، بل بات القانون الدولي يفرض اعتماد عقوبات تمييزية أي تلك التي تستهدف أشخاصًا وكيانات بحد ذاتها وعلى أن لا تؤثر على معيشة السكان وحياتهم.
لكن وكما في تعامله مع المعايير الدولية الأخرى، فرض ترامب عقوبات قاسية شاملة وغير تمييزية على الشعب السوري، بحيث فرض عقوبات على المواد الحيوية التي يحتاجها السكان للعيش، وسيطر على النفط السوري. وبحسب التقارير السورية، قامت قوات التحالف بحرق حقول القمح السوري، إسهاماً منها في الضغط الاقتصادي والسعي الى تجويع السوريين.
- الواضح من الانتخابات ونتائجها، ان الحلّ السياسي في سوريا مؤجل، وذلك لعدم قدرة الاوروبيين والأميركيين على التراجع عن الخطة الأساسية للتغيير في سورية، وبسبب عدم قدرتهم على تسويق العودة للتعامل مع دمشق في قضايا أمنية وإنسانية وعودة اللاجئين من دون الاعتراف بشرعية الأسد وهو ما لا يمكن تسويقه للرأي العام الغربي في ظل ما تمّ استثماره إعلامياً وسياسياً على مدى سنوات في هذا الإطار.
في المحصلة، تبدو الانتخابات السورية تفصيلاً في تركيبة معقدة ومتشابكة من المصالح والأهداف الاستراتيجية التي فرضت حرباً عالمية - بكل ما للكلمة من معنى- على سورية. وفي القادم من الاشهر، وبالرغم من أن الحل السياسي يبدو مؤجلاً في سورية، ستشهد سورية انفراجات بالتوازي مع الانفراج في الاقليم، والذي ينتظر تبلور نتائج الانتخابات الايرانية في الشهر المقبل.