القرم.. المعضلة الجديدة بين بوتين وأردوغان ـ فادي عيد وهيب

الجمعة 14 أيار , 2021 09:38 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

انها شبه جزيرة القرم الواقعة بشمال البحر الأسود وجنوب أوكرانيا والتي كانت يوما جزءا منها قبل أن تخلع ثوب كييف وتعود لأحضان روسيا مجددا، وهي الحاضرة فى صراع طويل بين العثمانيين  القدامى وقياصرة الأمبراطورية الروسية، قد يرى البعض أن القرم لا تتعدى أهميتها سوى شبه جزيرة بالبحر الأسود لا تتعدى  مساحتها 27000كم2، ولكن  أهميتها الإستراتيجية تفوق مساحتها بمراحل، ودلالتها السياسية والعسكرية أكبر من تعداد سكانها بأجيال. 
فالقرم الواقعة على بعد 173 ميلا من خط الاناضول الساحلى بينها وبين تركيا تاريخ لا يمكن إغفاله، وجغرافية لم يستطع أحد تجاوزها سوى إعلان روسيا ضم القرم لها، فعلاقة تركيا ببشبه جزيرة القرم ذات  أبعاد كثيرة.
فبها تتار الترك المرتبطين فكريا وثقافيا وعرقيا ولغويا بأتراك الأناضول، الى جانب تتار القرم المتواجدين بمدن أنقرة وقونية وإسكى شهير وغيرها من المدن التركية، لذلك وضعت الدولة التركية إستراتيجية بعيدة المدى لفرض سيطرتها على تتار القرم بأكثر من وسيلة عبر القوى الناعمة.
فلو دققنا النظر على شبه جزيرة القرم سنلاحظ التواجد التركى  بوضوح على قمصان  شباب التتر المكتوب عليها أحرف AKP باللون الأحمر (شعار حزب العدالة والتنمية التركى Adalet ve Kalkınma Partisi).
بل وسنجد ما هو أكثر من ذلك بمكتب مفتي القرم الذى عليه علم شبة جزيرة القرم وتركيا بينما لا يتواجد علم أوكرانيا من الأساس.
كما سنجد حضور سياسى قوى من جانب الحكومة التركية فى جميع مناسبات واحتفالات أبناء الجالية التركية بكييف والقرم، سنجد دعم العديد من المؤسسات والجمعيات التى تحتضن التتر.
وبعد إعلان روسيا ضم القرم لها، وصف جميل جيجك رئيس البرلمان التركى بعد لقائه مع النائب بالبرلمان الأوكرانى وزعيم تتار القرم مصطفى عبد الجميل قرم أوغلو ونائب رئيس المجلس الوطنى لتتار القرم أصلان عمر قرملى وقتها بالأمر المخالف للقانون الدولي.      
بضم القرم الى روسيا  تلقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صفعة قوية  تحملها  بصبر شديد من دون رد فعل واضح بعد الساعات الأولى لضم روسيا للقرم بحكم أن يد تركيا تحت فك الغاز والسياحة الروسية، ولكن كان الحال أكثر سوءا على أردوغان بعد أن أعلنت وزيرة السياحة بجمهورية القرم ايلينا ليورشينكو بأن شبه جزيرة القرم ستتفوق على تركيا فى مجال السياحة، وأنها تضع في  عين الاعتبار ما يرغب به كل سائح لتنفيذ أكبر قدر ممكن من التسهيلات والخدمات لجذب أكبر عدد من الافواج السياحية حول العالم، كما أكدت بأن هناك خططا شاملة لتطوير وتحديث أكثر من 130 مرفقا سياحيا والعديد من الفنادق، الى جانب الأهتمام بمنطقة الملاهى. 
فجزيرة القرم يزورها سنويا أكثر من ستة ملايين سائح، وبعد تنفيذ خطط ايلينا ليورشينكو ستصبح القرم منافسا قويا لتركيا فى واحدة من أهم المجالات التي تعتمد عليها تركيا فى زيادة دخلها وهو مجال السياحة، وهو الأمر الذى جعل يالطا القرميه تضاهي أنطاليا التركية وتحل مكانها على خريطة السياحة العالمية، ويصبح طريقها فى مكاتب وشركات السياحة أسهل من الطريق لأسطنبول. 
 إضافة إلى ذلك، هناك الأهمية  الجيوستراتيجية والأقتصادية لشبة جزيرة القرم وبالتحديد فى مدينة سيفاستوبول الساحلية، التي يقوم فيها  قاعدة لتدريب الدلافين المقاتلة.
فمشروع تدريب وأعداد الدلافين المقاتلة وبرنامج التدريب الخاص بها كان برنامجا سوفيتيا فى مصالح البحرية الأوكرانية وقد استأنف الجيش الأوكرانى العمل به عام 2012، وبعد انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا الإتحادية تم نقل منظمة حوض الدلافين بالكامل لسلطة وزارة الدفاع بموسكو، ويتم تدريب الدلافين المقاتلة على العثور على أسلحة ومعدات عسكرية في قاع البحر، وعلى وضع عبوات ناسفة أسفل السفن وكيفية مغادرة مواقع المعركة بسرعة، كما يتم تدريبها على المشاركة في غارات أستطلاعية وكيفية التعرف على العدو ومهاجمته.
ويذكر أن مركز تدريب الدلافين في سيفاستوبول هو واحد من مركزين لا ثالث لهما في العالم لتدريب الدلافين المقاتلة،  فالمركز الآخر موجود في قاعدة سان دييغو التابع للبحرية الأميركية، ومن هنا يتضح الأمر بمدى أهمية القرم ليس بين موسكو وأنقرة فقط بل والفريق الغربي برمته وفى مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية.
من كل ما سبق يتضح للجميع مدى أهمية القرم سواء لكييف نفسها، أو للمتنازعين على أرضها كموسكو وأنقرة، وان الصراع الحالي بالدونبادس بين موسكو وكييف والمتداخلة فيه تركيا ايضا لصالح الاطلسي، ما هو إلا حلقة جديدة في مسلسل الصراع بين روسيا وحلف الاطلسي...وهذا ما يعطى الصراع على القرم ابعادا واسعة لن تسمح روسيا بان تكون شوكة في خاصرتها، وهي بأي حال بفصل القرم عن أوكرانيا تعتبرها تصحيحا لخطيئة ارتكبها الزعيم السوفياتي الراحل نيكيتا خروشوف بضمها لاوكرانيا، لكن انئذ لم تثر أي حساسية كون أوكرانيا كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي .


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل