أقلام الثبات
أعلن النائب نهاد المشنوق منذ أيام، عن قيام جبهة سياسية جديدة تحت مُسمَّى "حركة الإستقلال الثالث"، وذلك خلال إطلالة له عبر تلفزيون "بلومبرغ - الشرق" الذي أطلقه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حديثاً، ضمن سلسلة وسائل إعلامية ينسجها بن سلمان حوله بالتعاون مع الإعلامي عضوان الأحمري رئيس تحرير "إندبندت عربية"، وإطلالة المشنوق من هذه الشاشة بالذات، تُعطي الهوية السعودية الفاقعة لهذه الحركة التي سوف تضمّ رفاق الرئيس الراحل رفيق الحريري وفق إعلان المشنوق نفسه.
نهاد المشنوق المطرود من بيت الوسط - بعد بروز إسمه كبديل سعودي عن سعد الحريري عندما استُقيل الأخير من الرياض- يسعى على ما يبدو للإستفادة من استياء شريحة من تيار المستقبل من أداء الحريري الإبن، الذي ارتضى لنفسه الذهاب بالتسوية الرئاسية وأزعج بذلك شريحة من شارعه، بحيث لم يعُد هناك حزب أو تيار ممزَّق أكثر من "المستقبل" في الوقت الحالي، ويمتدّ جرحه من جماعة بهاء الحريري في طريق الجديدة بزعامة نبيل الحلبي وهي تركية الهوى، وصولاً الى طرابلس حيث الجماعة التي يتزعَّمها أشرف ريفي وترفع العلم التركي عند كل مناسبة، فأراد المشنوق ومَن معه إعادة الصبغة السعودية الى إرث رفيق الحريري، بعد سحب الرياض يدها من يد سعد.
المشكلة التي تعترض حركة المشنوق، أنه يُغرِّد بإسم رفيق الحريري بعيداً عن "بيت الحريري" أولاً، وعن "نادي رؤساء الحكومات السابقين" ثانياً، وعن القواعد الشعبية الحاشدة ثالثاً، لكنه مع ذلك، يرفع السقف الإستراتيجي لحركة واهنة، ويضع لها هدفاً رئيسياً يتمثَّل بإزالة "الإحتلال الإيراني" عن لبنان، هو نفسه المشنوق الذي كان يرقص على شواطىء اليونان ويهزّ بكتفيه والسيجار الكوبي بين شدقيه، عندما كان وزيراً للداخلية وكانت عرسال مسرح المعارك بين القوى الأمنية اللبنانية والتنظيمات الإرهابية!
كما أن نهاد المشنوق ليس تلك الشخصية الجاذبة على المستوى الوطني، ليعطي لنفسه حق التمييز بين إيران والسعودية في لبنان، بحيث يعتبر النفوذ الإيراني إحتلالاً للقرار السياسي اللبناني، بينما السعودية لا تريد إلا الخير للبنان ولا تريد له إلا الحرية والسيادة والإستقرار والإستقلال، ونعتبر هنا أن المشنوق قد ذهب أكثر من حجمه وحجم المرحوم رفيق الحريري عندما نصَّب نفسه في موقعٍ وطني يخوِّله تصنيف الأصدقاء والخصوم للبنان.
وأزمة العقل في "حركة المشنوق" أنها على غرار حركة أشرف ريفي، تهدف لأن تكون مَلَكِيَّة أكثر من المَلِك في التمسُّك بإرث رفيق الحريري، وكأن المرحوم كان صاحب مدرسة سياسية أو عقائدية يريدون إحياءها والحفاظ على ديمومتها، والعمل على استنهاضها بعد أن فرَّط بها سعد أو بهاء، بينما الواقع أن الراحل رفيق الحريري لم يكُن أكثر من أمبراطور مال، وماله السعودي إضافة الى الثروة التي راكمها خلال وجوده في السلطة اللبنانية هما فقط لا غيبر إرث رفيق الحريري.
وإذا كان المشنوق ورفاق رفيق الحريري يُعطون لأنفسهم هالة أبعد من زاروب داخل مناطق تيار المستقبل، ضمن أحلامهم "لتوطين" هكذا حركة خجولة في عقول اللبنانيين وقلوبهم، فإنهم أيضاً لا يقرأون التطورات الخارجية المُحيطة بلبنان، والتغييرات الإقليمية الدراماتيكية التي تواجهها السعودية في مرحلة ما بعد ترامب، سواء لجهة قًرب "رفع اليدين" في اليمن أوالتقارب مع سوريا، وااللقاءات الرباعية التي تحصل بين إيران وسوريا والسعودية والولايات المتحدة، على غرار ما حصل في شرم الشيخ منذ أيام، وما يحصل من لقاءات ثنائية في بغداد، سواء كانت سورية - سعودية، أو إيرانية - سعودية، ومع دخول مفاوضات "الخمسة زائد واحد" مرحلة التفاصيل التقنية لعودة أميركا الى الإتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران، فإننا نجزم بثقة أن نهاد المشنوق ورفاق رفيق الحريري رايحين عالحجّ والناس راجعة، خصوصاً أن محمد بن سلمان هو في مقدمة الراجعين من ذلك الحج....