أقلام الثبات
بالرغم من كل الدعوات العالمية لوقف الاستيطان وووقف تهجير الفلسطينيين من بيوتهم، ما زال نتنياهو يرفض ويكابر قائلاً "نرفض وبشدة جميع الضغوط المطالبة بعدم البناء في القدس، وقد تزايدت الضغوط مؤخرًا، لكنني أقول أيضا لأقرب أصدقائنا إن القدس هي عاصمتنا، وككل أمة أخرى سنبني في عاصمتنا وننهض بها".
وبالرغم من رحيل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي تآمر على الفلسطينيين، ودعا نتنياهو الى ضم الأراضي الفلسطينية بالقوة، داعياً الى حلّ القضية عبر المساعدات المادية، و صهره جاريد كوشنر الذي اعتبر ان الخلاف الفلسطيني - "الاسرائيلي" هو خلاف عقاري، إلا أن الانتفاضة التي تشهدها القدس اليوم، وثبات الفلسطينيين ودفاعهم عن أراضيهم، يعتبر ضربة قاصمة لما يعتبره ترامب أفضل انجازٍ له، أي "صفقة القرن".
قبل الهبة الفلسطينية، كان من الصعب التعامل مع "صفقة القرن" بصفتها مجرد خطة تضاف إلى عشرات القرارات والخطط التي سبقتها والتي بقيت حبراً على ورق، ولم تغيّر كثيراً في الواقع الفلسطيني. إن خطورة تلك الخطة كانت تتأتى من العوامل الداخلية والاقليمية والدولية التي أحيطت بها، فالفلسطينيون كانوا في أكثر حالاتهم ضعفاً، والسلطة الفلسطينية تعيش حالة هشاشة سياسية عكستها تصريحات محمود عباس الذي شبّه الاحتلال "الاسرائيلي" لفلسطين والموقف الفلسطيني من الاضطهاد والممارسات "الاسرائيلية"، بالمظاهرات التي خرجت في بيروت ضد السلطة السياسية!.
أما الواقع العربي، فقد انتقل العرب من التعامل السرّي مع اسرائيل الى المجاهرة بالتطبيع والموّدة والزيارات المتبادلة، وتحوّل خطاب بعض العرب من العداء "لاسرائيل" الى العداء لايران.
وفي العالم، يعاني الاوروبيون المتمسكون بالقانون الدولي من ضعف في المواقف وتردد وازدواجية في المعايير، بينما يتمتع الاسرائيليون بدعم الولايات المتحدة (حيث يتخطى دعم اسرائيل الانقسام الحزبي الأميركي) ودعم الروس العلني، حيث قام الرئيس بوتين بتقديم الهدايا الاقليمية لنتنياهو لدعمه في الانتخابات.
وبالرغم من كل ذلك، كسر الفلسطينيون الواقع الصعب وتحدّوا الظروف الدولية والاقليمية التي تجمعت ضدهم. ولم يعد "الاسرائيلي" بعد اليوم، يستطيع ان يعتمد على بعض العرب وأموالهم لدفن القضية الفلسطينية، وتحويلها الى مجرد حق إقتصادي، يطلبون فيه من الفلسطيني مبادلة أرضه وحياته ووجوده بحفنة من المال. لقد مزق الفلسطينيون بأنفسهم صفقة ترامب ونتنياهو، وشهد العالم بأسره، أن الفلسطيني لا يحتاج الى مؤتمرات دولية ولا الى قمم عربية، ولا الى تعاطف مزيف على المنابر.
وهنا، تحضرنا قصة نشرها الاعلام الغربي في العام 1952، حيث تقدم صحافيان غربيان، أحدهما بريطاني والآخر أميركي، بسؤال الى الرئيس "الاسرائيلي" آنذاك حاييم وايزمان: كيف تتصور حلاً للقضية الفلسطينية؟ فكر قليلاً وأجاب: «هناك قضايا لا حلّ لها. إنها تشيخ وتبلى شيئاً فشيئاً».
واليوم، ونحن في العام 2021، وبعد خيانات عديدة ومشاريع دولية متعددة ومحاولة سحق الشعب الفلسطيني، وبعد الهبة الفلسطينية التي تحاول إنقاد حي الجرّاح في القدس وتثني الاحتلال عن ممارساته ضد المصلّين العزّل في الأقصى، نعرف أن القضية لم تشخ ولم تبلَ، بل ما زالت حيّة في نفوس أبناء فلسطين العرب مسلمين ومسيحيين.
إن بنات وأبناء فلسطين اليوم، يشكلون جيلاً أكثر صلابة من الأجيال السابقة، جيل عبّر عن نفسه، تمرد، استعصى على قاتليه، تضامن، توحد وأعلن بصرخة واحدة : "أرضنا حياتنا، لن نُقتلع ولن نرحل".