أقلام الثبات
تطوّرات متسارعة تسير على وقع المفاوضات "النووية" غير المباشرة بين طهران وواشنطن، والتي يبدو انّ تصاعد دخانها الأبيض لم يعد بعيدا.. "اسرائيل" التي جهدت بكلّ قوّة لفرملة قطار محادثات فيينا، وعاد وفدها الأمني من الولايات المتحدة خالي الوفاض، تصدّرت أحداثها مؤخرا اهتمام كبار المحلّلين والمراقبين الدّوليين، وخصوصاً أنّ القادة "الإسرائيليين" لا زالوا تحت "صدمة" صاروخ "ديمونا" السوري الذي هزّ قلعة المفاعل النووي "الإسرائيلي" الشهير، والذي لحق مباشرة بالإنفجار"الغامض" في مصنع الصواريخ قرب القدس، قبل ان يلتهم الحريق الضخم احدى مصافي النّفط في حيفا، وما بينهم سقوط منصّة جبل الجرمق التي اودت بحياة العشرات من المستوطنين..
أحداثٌ لا شكّ هزّت "اسرائيل" رغم التعتيم المطبق عليها الذي فرضته رقابتها العسكرية، وتلقّف قادتها "الرّسالة" جيدا.. فتوالي تلك الأحداث "الخطيرة" في مدّة زمنيّة قصيرة ليست صدفة بأيّ حال، خصوصا عندما يغمز أكثر من مسؤول ايراني من قناة "الرّد بالمثل على ايّ عمل شرّير تقوم به "اسرائيل" بالمستوى نفسه او اقوى منه –وفق تعليق قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامة، والذي توعّد "بتكرار هذه الأحداث وتوسيعها"، مسبوقا بتلميح الدبلوماسي الإيراني السابق أمير موسوي، الى وقوف محور المقاومة وراء تلك الأحداث المتتالية وقوله " إنّ رسالة المحور كانت واضحة..بين حرب الكترونية وأخرى صاروخية، استخدم فيها خطّتين دقيقتَين لضرب منطقتَين امنيّتَين عاليية المستوى".. وبالتالي، لمست تل ابيب "جدّية" التهديدات الإيرانية بالرّد على هجوم منشأة نطنز "داخل ارض من نفّذ الإعتداء"- وهو ما توعّد به المتحدّث باسم الحكومة الإيرانيّة على ربيعي غداة الهجوم، في وقت شكّكت غالبيّة وسائل الإعلام العبرية بالرّواية الإسرائيلية حيال "طيش" صاروخ ديمونا.
فبين من اعتبر وصوله الى القرب من المفاعل النووي"جرس إنذار"-بحسب ما ذكرت صحيفة "زمان اسرائيل"، والتي سألت" هل هو اختراق بريء؟ ما حقيقة الإنفجار الهائل في مصنع تومر"؟..سأل المحلّل العسكري بن كاسيبت " اذا كان صاروخ سوري واحد فعل كلّ هذا في "اسرائيل"، ولم تعترضه دفاعاتنا الجوّية الأكثر قوّة وتميُّزا في العالم.. فكيف ستردّ على وابل يومي من مئات او آلاف الصّواريخ التي سيُطلقها حزبُ الله من الشمال"؟.. قبل ان تطرح صحيفة "اسرائيل هيوم" ما أسمته "الأسئلة الصّعبة بعد اطلاق الصاروخ السوري"، وتشديدها على "ضرورة ان تقلق اسرائيل، فدمشق بصدد إرساء توازن ردع جديد معنا"..
اكثر من ذلك، اعتبر مدير معهد السياسات الدّولية باولو فون شيراك، انّ صاروخ ديمونا أُرسل من "اعلى الهرم في سورية صوب "اسرائيل"، فيما لفت الكاتب ايليا ج. مغناير الى انّ قرار ايصال هذا الصاروخ الى مقربة من المفاعل النووي "الإسرائيلي"، اتى من الرئيس بشار الأسد شخصيّا، وهو اراد عبر هذه الرّسالة القول لإسرائيل" أستطيع تدفيعكم الثّمن في الوقت المناسب"!
رسالةٌ فهمتها تل ابيب جيّدا..فآثرت الرّد عليها دون تأخير.." لن نرتدع بعد وصول صاروخكم الى تخوم "ديمونا"، ولن نسمح بتغيير قواعد الإشتباك".. بادرت الى شنّ عدوان صاروخي اختارت مناطق في اللاذقية وطرطوس اهدافا له، قريبا جدا من القواعد الرّوسيّة، في محاولة لتوجيهه الى اكثر من طرف: " ردّ مباشر الى "معقل" الرئيس الأسد"، - وهو ما بيّنه المحلّل السياسي "الإسرائيلي" يوني بن مناحيم، في اشارته الى انّ "هجمات اللاذقية هي رسالة موجّهة للرئيس السوري قُبيل الإنتخابات الرئاسية"..وصوب الأميركي ومحاولة "تعكير" مسار مفاوضات فيينا وإفهامه انه لا زال يُمسك بورقة الميدان، وبالتالي عليه الإقتناع بهواجس "اسرائيل"..وصوب الرّوسي، ردّا على تفعيل اجراءات الحرب الإلكترونيّة في سورية، وهو ما لمسه "الإسرائيلي" خلال عدوان امس، عبر تغلُّب الدّفاعات الجويّة السوريّة على "تشويش" مقاتلاته، وتمكُّن الرّادارات السوريّة من تجاوز تقنيّة إغراقها ب "النّبضات الكثيفة" لمنعها من ملاحقة مقاتلاته، وهذا ما اثار امتعاض تل ابيب خصوصا بعدما نشر "مجلس العلاقات الخارجية" تقريرا منذ ايام، ذكر فيه "انّ طهران، وبحماية من موسكو، امّنت شحنات من الصواريخ الإيرانية الى سورية عبر البحر".
رغم الضّربة الجوّية "الإستعراضيّة" فجر امس الأربعاء والتي الحقتها بأخرى ليلا على منطقة القنيطرة، الا انّ تل ابيب تلقّت "تمريرة" البنتاغون صوبها عبر نشر تقرير صوّب فيه على "حيازة ايران 3000 صاروخ باليستي شديدة الدّقة"، وخصوصا بعدما فهم الوفد الأمني الإسرائيلي الذي حطّ في واشنطن في محاولة يائسة للإلتفاف على مفاوضات فيينا، ان لا تراجع عن قرار العودة الى الإتفاق "النووي" مع طهران. "النّأي بالنّفس مطلوب بقوّة في هذه المرحلة، وعدم المجازفة مجددا باستفزاز ايران سيّما بعد الرسائل النّارية المتلاحقة التي هزّت "اسرائيل"، بدءا بتفجير مصنع الصواريخ.. وليس انتهاء بحريق مصفاة حيفا" حيث تبدو البصمات الايرانية وحلفائها واضحة عليها"
وعليه، لم يعد امام تل ابيب ومن خلفها السعوديّة، الا الإقرار بالواقع الجديد.. فما بعد حكم دونالد ترامب ليس كما قبله، وقطار التسوية يبدو انه متّجه الى محطّته النهائية.. أمرٌ كافِ لتخفيض سقف الشروط "الإسرائيلية" الى الحدود الدنيا، والإكتفاء بالمطالبة بتعويضات عينيّة لقاء العودة الى الإتفاق النووي، رغم تمرير رسائل "صوتيّة" صوب سورية لا تؤثّر على ميزان ربح القيادة السوريّة.. وتغيير النّبرة السعودية تجاه طهران على وقع عقد اكثر من اجتماع بين الجانبَين في بغداد، تبعها مباشرة ايفاد رئيس المخابرات السعودية ووفد من كبار ضبّاطها الى دمشق "توطئة لزيارة سعودية رفيعة المستوى قد تتجاوز وزير خارجيّتها للقاء الرئيس الأسد-بحسب ما كشف مصدر وُصف ب"المطّلع" في صحيفة "لو باريزيان" الفرنسيّة.
المصدر الذي تقاطعت معلوماته مع تسريبات نُقلت عن موقع "ستراتفور" المقرّب من وكالة الإستخبارات الأميركية، كشفت عن رسائل "ساخنة" وصلت الى تل ابيب على متن الأحداث "الصّادمة" التي هزّت اكثر من مكان استراتيجي في "اسرائيل"، وتوعّدت ب"ضربة" وشيكة غير مسبوقة قد تتجاوز خطورة نظيراتها الأخيرة..
ووفق التسريبات، فإنّ اكثر من جهة في "محور المقاومة" تشاركت-بتنسيق عالي المستوى بتنفيذ الضربات التي هزّت "اسرائيل"، مُبيّنة انّ الرّد على الاستفزازات الإسرائيلية ضدّ سورية قد حُدّد في الملعب" الإسرائيلي" نفسه، " الا انّ وُجهة الأنظار قد تُصوّب قريبا نحو مصافحة غير مُتوقعة في قصر المهاجرين في سورية"- بحسب ما المح مصدر الصحيفة الفرنسيّة.