إبريق زيت الحوار اللبناني 1697 - 2021 وما بعدها (16/2) ـ أحمد زين الدين

الخميس 06 أيار , 2021 08:03 توقيت بيروت أقلام الثبات

نظام المتصرفية تحت وصاية 7 دول أوربية

أقلام الثبات

ثمة أسئلة كثيرة يطرحها اللبنانيون، كلما سمعوا عن حوار مزمع، أو التحضير لحوار، ومن هذه الأسئلة:
ماذا يمكن أن ينتج، وماذا ينتظرنا بعده وهل نحن أمام هدوء واستقرار أم أمام مرحلة جديدة من مخاض صعب لا يعرف متى ينتهي؟
واللبنانييون كما كانت حواراتهم تنتج أحياناً أزمات أو مدخلاً لأزمات كبرى، وحروب، كانت أيضاً مدخلاً لحلول، وفي كل الحالات، فإن التشديد والعمل من أجل الحوار له معنى واحد أن هناك أزمة ولابد من حل لها.

 

لم يحل نظام القائمقاميتين دون استمرار النزاعات والصراعات التي انتهت عام 1860 بحرب أهلية صاخبة حصدت المزيد من الضحايا الأبرياء. وكالعادة تحركت الدول العظمى آنئذ، وكانت هذه الدول: فرنسا، بريطانيا، روسيا، بروسيا، والنمسا، فأرسلت مندوبين عنها ليعملوا كما أعلن عن رأب الصدع، لكن في الحقيقة، كل واحدة جاءت لتعلن حماية الطوائف، أو لتضع الطوائف تحت الحماية، بيد أن الدولة العثمانية سبقت الجميع بتوجيه وزير خارجيتها الداهية فؤاد باشا الذي قاد حواراً بين وجهاء الطوائف المتناحرة من جهة، كما أخذ يجتمع مع مندوبي هذه الدول من جهة ثانية، وبعد طول اجتماعات وتعددها، انتهى ممثلو الدول بالاتفاق مع الدولة العلية على تأليف لجنة دولية قوامها: فؤاد باشا المفوض السلطاني ووزير خارجية الدولة العثمانية رئيساً، وعضوية كل من بكلار عن فرنسا، دوفرن عن انكلترا، فيكنوف عن روسيا، كبكر عن النمسا، ورهفوش عن بروسيا. وبعد عدة اجتماعات انتهى ممثلو الدول إلى وضع عدة قرارات أهمها:
إعادة تنظيم الحكم في لبنان على أساس إلغاء نظام القائمقاميتين.
إقرار نظامين جديدين لحكومة جديدة، وقد وضع النظام الأول في 20 آذار 1861 على أساس دستور مؤلف من 47 مادة، أما الثاني فوضع في 9 أيار من العام نفسه وتألف من 17 مادة..
رفعت هذه اللجنة النظامين إلى الباب العالي وسفراء الدول الممثلة في اللجنة المعتمدة في الاستانة عاصمة الدولة العثمانية، لكي يدرسوها ويقرروا منها ما يرونه أكثر موافقة للتنفيذ.
وفعلاً شكل الباب العالي والسفراء في الاستانة مجلساً للنظر في أي النظامين أفضل، وقد تشكل هذا المجلس من عالي باشا الصدر الأعظم في الدولة العثمانية، وكل من: لا فالت عن فرنسا، هنري بولفر عن انكلترا، ولوبانوف عن روسيا، وبروكشن أوستن عن النمسا، وغولنز عن بروسيا. وبعد طول اجتماعات بدأت في 30 أيار أقروا النظام الثاني المؤلف من 17 مادة، والذي يقضي بأن يكون حاكم لبنان واحداً. وبعد ذلك بدأ المجتمعون يبحثون في مذهب الحاكم، فتقرر أن يكون مسيحياً، وأصر عالي باشا أن يكون أيضاً أجنبياً، فانحاز إليه سفير انكلترا ونجح هذا الاقتراح على رغم المعارضة الفرنسية، وعلى ذلك تقرر أن يكون الحاكم على لبنان الصغير في الجبل، أجنبياً لمدة ثلاث سنوات على سبيل الاختيار، وقد اطلق على هذا الحكم اسم "المتصرفية"، وعلى الحاكم اسم "المتصرف". وفي 9 أيار من عام 1861 أقر النظام النظام الجديد نهائياً، وتقرر تعيين الأرمني داوود باشا متصرفاً لمدة ثلاث سنوات، على سبيل التجربة.
خلال السنوات الثلاث هذه تسابق "الأكابر" لنيل رضا المتصرف، ولم يتركوا وسيلة للتملق إلا واستعملوها كما تغيرت وتبدلت كثير من التحالفات المحلية، وبعضها كان متعارضاً ومتناقضاً، والعداء مستحكماً بينها لدرجة سال من أجلها الكثير من الدماء، بدوره الحاكم أو المتصرف كان يريد أن يثبت أنه قادر على الحكم، وعلى جعل الأمن والاستقرار يستتب، والدليل أن من كانوا مستحيلاً أن يلتقوا، اجتمعوا وتحالفوا ونسوا دم الأبرياء، فأكد داوود باشا حسن الإدارة والتصرف والتدبير، وهكذا بعد انقضاء السنوات الثلاث من مدة المتصرف داوود باشا، اجتمع السفراء في الباب العالي مع الصدر الأعظم، فوجدوا في نظام 1861 بعض الثغرات، فأدخلوا عليه تعديلات جديدة في 9 أيلول 1864، وجددوا للمتصرف داوود باشا لمدة خمس سنوات جديدة. وهكذا ظل النظام المعدل دستوراً لنظام المتصرفية مع ما كان يضاف إليه من ملحقات عند تعيين كل متصرف جديد، إلى أن دخلت تركيا الحرب العالمية الأولى التي اندلعت شرارتها عام 1914 إلى جانب المانيا، فأبعدت في 18 حزيران اوهانس باشا آخر المتصرفين، والغت الامتيازات الاستقلالية الذاتية، وصار "لبنان المتصرفية" تحت الحكم العثماني مباشرة.
لقد الغى نظام 1864 إمتيازات رجال الاقطاع ومنحهم حقوقاً متساوية لجيمع الرعايا اللبنانيين من مختلف الدرجات، كما أضاف هذا النظام إلى الدول الأوربية الضامنة عام 1868، دولة أخرى هي إيطاليا، فأصبحت ست دول هي بالإضافة إلى إيطاليا: فرنسا، روسيا، بروسيا، النمسا، وانكلترا.
ثلث وثلثان:
الجدير بالذكر، أن مجلس إدارة كان يقوم إلى جانب المتصرف، وكان حسب نظام المتصرفية، يتألف من 12 عضواً ينتخبهم مشايخ القرى المنتخبون بدورهم من أهالي القرى، ولما كان مجلس الإدارة سنة 1864 لا يزال مؤلفاً من أشخاص القائمقاميتين، عمد أول متصرف إلى استبدالهم ثلثاً بعد ثلث، وفق النظام الجديد، ففي مطلع العام 1865 حضر داوود باشا إلى مجلس الإدارة، وكان معه كيسان من قماش حريري، في أحدهما اثنتا عشرة ورقة، كتب على كل منها اسم من أسماء أعضاء مجلسى الإدارة (أي مجلس النواب آنئذ) والمقاطعة التي يمثلها، وفي الكيس الآخر اثنتا عشرة ورقة أربع منها سوداء وثماني بيضاء. وقد حضر هذا الاجتماع أعضاء المجلس، ووكلاء الطوائف، وكبار موظفي المتصرفية، جرى السحب ورقة من أول كيس وورقة من الكيس الآخر، فكان أن أصابت الأوراق السوداء كلاً من عضوي طائفتي الموارنة والروم الأرثوذكس في المتن، وعضو الموارنة في جزين، والعضو الشيعي في كسروان. وهم الثلث الأول في المجلس فجرى استبدالهم بواسطة الانتخاب وفق نظام المتصرفية، وبعد سنتين اقترع بالطريقة نفسها على أربعة آخرين من الثمانية الباقين هم الثلث الثاني، وتلقائياً بعد سنتين تم استبدال الثلث الثالث.
ومن ثم أخذت الانتخابات تتوالى على تلك الوتيرة أي كل سنتين مرة يتم انتخاب ثلث المجلس أي أربعة أعضاء، فأصبحت مدة العضو في المجلس الإداري ست سنوات، وبعد مرور هذه المدة، كان يحق للعضو أن يترشح وينتخب مرة أخرى بإستثناء من يموت وهو في الوظيفة فكان يتم انتخاب خلف له على الأثر في مقاطعته ومن طائفته.
يتبع ...

(حلقة جديدة كل ثلاثاء وخميس)
 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل