بعد تصاعد نفوذها.. اليونان قوة جديدة بالإقليم ـ فادي عيد وهيب

الخميس 06 أيار , 2021 07:59 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تعد اليونان واحدة من الدول العظمى في التاريخ القديم، وعاصمة الفلسفة بكل العصور، وأحد أبرز نقاط التلاقي بين الشرق وأوروبا، وهي واحدة من أعرق الدول المسيحية الأرثوذكسية، وبرغم أوروبيتها جغرافيا إلا أنها لم يكن مرغوب فيها بالنادي الكاثوليكي المعروف إعلاميا بأسم "الإتحاد الأوروبي"، ولذلك كانت اليونان في أي تصويت داخل غرف حلف الإطلسي بمنزلة صوت لموسكو، يعترض أي إجراء عقابي يتخذ ضد روسيا الإتحادية، كما لعبت اليونان نفس الدور بصحبة إيطاليا وقبرص لصالح مصر في غرف الإتحاد الأوروبي عقب ثورة 30يونيو2013م، الى ان تطورت الأمور بعد إكتشافات الغاز والمواد الهيدروكربونية بإعماق شرق المتوسط، فتبدلت إستراتيجية اليونان الخارجية والعسكرية تماما، وصارت مجبرة على لعب دور ريادي في شرق المتوسط، بعيدا عن دورها كساعي بريد بين القوى العظمى بحكم عضويتها في الناتو، أو بين بعض الدول العربية مع أكبر أمتين في أوروبا، فرنسا والمانيا.
لم يعد هناك خيار أمام اليونان للبقاء في محيطها الإقليمي إلا أن تكون قوة عظمى في منطقة حوض المتوسط، بعد تصاعد التهديدات بينها وبين تركيا سواء بسبب السيادة على جزيرة قبرص، أو الجزر اليونانية القريبة من سواحل غرب تركيا على المتوسط، والتي قامت اليونان بتسلحيها، أو على المياه الإقليمية المتنازع عليها فيما بينهما، وإختراق سفن الإستكشاف التركية للمياه الإقليمية لكل من قبرص واليونان.
وبسبب كل ما سبق رسمت اليونان خريطة جديدة لسياستها الخارجية، ووجهت كل موارد وأموال الدولة لصالح تسليح الجيش أولا، وذهبت تعمق علاقاتها مع كل خصوم تركيا، وما أكثرهم، فعقدت تحالفاً ثلاثياً مع قبرص ومصر أساسه ترسيم الحدود البحرية بينهم، كي يقطعوا الطريق على أي محاولة تركية للتوغل في شرق المتوسط، ثم أخذ التعاون العسكري يتزايد بقوة، فازدادت المناورات البحرية والجوية بين الدول الثلاث.
في ظل التهديدات التركية لليونان، توسطت مصر (الحليف التاريخي لليونان منذ عهد البطالسة قبل الميلاد وحتى ثورة 30يونيو2013م) لدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتسليح اليونان بمقاتلات الرافال والفرقاطات الشبحية طراز "جوويند" و "فريم"، وهي الاسلحة التي حصلت عليها مصر من فرنسا في الأعوام السابقة، وكان العائق أمام إتمام تلك الصفقات مع اليونان هي الأمور المادية لدى أثينا المتعثرة اقتصاديا، في الوقت التي كانت ترغب فيه باريس المتضررة من التوغل التركي في المنطقة العربية ودول الساحل والصحراء بأفريقيا بالتعاون العسكري مع اليونان، وهنا تدخل طرف جديد كي ينضم لمعادلة سياسة اليونان الخارجية الجديدة، إلا وهي الإمارات، التي تقدمت لفرنسا لإتمام تلك الصفقات لصالح اليونان عبر أموالها، ليتطور الأمر فيما بعد الى تعاون عسكري وإستخباراتي شبه دائم بين الجيش الإماراتي ونظيره اليوناني، بعد أن وضعت الإمارات والسعودية والبحرين اليونان بدل تركيا في جدول الواجهات السياحية المفضلة لها.
ثم أستغلت اليونان فرصة سماء السعودية المخترقة من صواريخ الحوثي، لتضع قدمها الأخرى في الخليج عبر الرياض، وترسل منظوماتها الدفاعية باتريوت بصحبة ضباط سلاح دفاعها الجوي الى جنوب المملكة العربية السعودية، وفي المقابل وجهت السعودية حصة من وارداتها الزراعية للشراء من اليونان، وإرسال قواتها للمشاركة في مناورات عسكرية مع اليونان بشرق المتوسط، وتواجد مقاتلات اف16 السعودية بصفة شبه دائمة في جزيرة سودا اليونانية، وهي رسالة سعودية لتركيا مفادها أن أمن اليونان من أمن المملكة، لتصبح أثينا بذلك على علاقة وطيدة بالثلاثي العربي المناهض لتركيا، ولأكبر عدو للرئيس التركي في أوروبا إيمانويل ماكرون، وكذلك اللعب على نفس الحبل المشدود بين موسكو وواشنطن ولكن ليس على طريقة أردوغان الابتزازية الانتهازية، فتواصلت اليونان عبر اللوبي الخاص بها في واشنطن مع ادارة بايدن على أمل أن ترفع كل من واشنطن ولندن غطاء دعمهما لتركيا في شرق المتوسط وليبيا، بالتزامن مع تقديم نفسها لبوتين على أنها خير بديل لروسيا في جنوب أوروبا وشرق المتوسط عن تركيا.
وعندما لم تظهر بوادر إيجابية من واشنطن تجاه إستفزازات زعيم مشروع الإسلام الأطلسي في الإقليم، أردوغان، ضد أثينا، ذهبت اليونان إلى واشنطن عن طريق اللوبي الخاص بها هناك، فوقعت أكبر اتفاقية مشتريات دفاعية في تاريخ كل من أثينا ودولة الإحتلال الصهيوني، وكانت الإمارات هي البوابة بين الطرفين، كي يتكرر ما حدث في صفقة السلاح الفرنسي لليونان.
وفي كل ذلك لا يفوتنا الحضور اليوناني في بنغازي شرق ليبيا، والمناوئ للوجود العسكري التركي في غرب ليبيا.
أخيراً وليس آخراً باتت اليونان اليوم محل أهتمام كل القوى الدولية والإقليمية، بعد أن أخرج تبجح أردوغان في المنطقة مارداً جديداً بالإقليم، يتعامل في جغرافيته على أنه وريث الامبراطورية البيزنطية، كحال النقيض لها تركيا وريث الامبراطورية العثمانية، وكلاهما متضادان في التاريخ والجغرافيا، والطموح السياسي والمشروع الاقتصادي بشرق المتوسط، وما يؤكد ذلك ما حدث في اللقاء الصحافي الذي جمع كل من وزيري خارجية تركيا واليونان بهدف تلطيف الأجواء، ولكنه جاء ليزيد من حدة العواصف بين الطرفين.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل