دولة سماسرة ـ عدنان الساحلي

الجمعة 30 نيسان , 2021 11:51 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تجاهل المسؤولون الرسميون اللبنانيون سؤال المعنيين في المملكة السعودية، عن سبب إعتقالهم المخرج والفنان اللبناني سمير صفير وعن مصيره، بغض النظر عمًا إذا كان اعتقاله لسبب قانوني أو سياسي.
ولم يجرؤ مسؤول معني على القول لنظرائه في المملكة، أن حمولة الرمان المحشوة بحبوب المخدرات التي صودرت في المملكة ليست لبنانية، لأن الرمان اللبناني لا يصدر إلى الخارج في العادة؛ وليس موسم نضوجه وقطفه هذه الأيام. وأن المتورط فيها محسوب سياسيا على السعودية. كما أن المستورد لها من الطبيعي أن يكون سعودياً، حتى يتمكن من تمويلها وتوزيعها. وقد يكون من الأسرة المالكة مثل أمير الكبتاغون المشهور، الأميرعبد المحسن بن وليد بن عبد المحسن بن عبد العزيز ال سعود، الذي حاول تهريب 1900 كلغ من حبوب الكبتاغون الى السعودية في طائرته الخاصة. ومارس حكام السعودية ضغوطا هائلة على سياسيين لبنانيين لاطلاق سراحه، من دون ان يدفع غرامة تزيد على ستين مليون دولار. ولم يجرؤ المعنيون في لبنان على مطالبة الأمن السعودي باعتقاله حتى يوفي الخزينة اللبنانية حقها القانوني. وبالتالي، فإن ما تتخذه المملكة هذه الأيام بحق لبنان، هي إجراءات سياسية بحجة واهية، لحصاره وإفقاره وتجويع مواطنيه، من ضمن المخطط الأميركي و"الإسرائيلي" لفرض خيارات سياسية وتطبيعية على لبنان، في سياق مشروع التحالف الخليجي-"الإسرائيلي" الذي بات واضحاً ومكشوفاً للعيان.
وتحفل ذاكرة اللبنانيين ومحطات الأحداث منذ إعلان الفرنسيين دولة لبنان الكبير عام 1920، بما يدين الأكثرية الساحقة من الحكام اللبنانيين، على مختلف مستوياتهم، بأنهم فاسدون وعبيد للمال ومجرد سماسرة وباعة طرابيش، يلعبون على صراعات المنطقة وتبدلات الأحوال فيها ويقبضون ثمن ولاءاتهم ومواقفهم. ألم ينقسم زعماء البلد في ما يسمى مرحلة الإستقلال بين موال لفرنسا وآخر موال لإنكلترا؟ ثم تحولوا إلى موالين لأميركا أو موالين للمشاريع العروبية في المنطقة. وهم أنفسهم تحولوا إلى زواحف على أعتاب عنجر في مرحلة الحضور السوري في لبنان. وشعارهم معروف: "من يأخذ أمي أقول له يا عمي". 
كلنا شاهدنا كيف خضع هؤلاء للضغط الأميركي وسلموا السفارة الأميركية العميل والمجرم عامر الفاخوري. ولم يصدر صوت من كبار وصغار المسؤولين يتضامن مع القاضي الشجاع محمد مازح، عندما إجبرته المؤسسة القضائية على الإستقالة من منصبه، لأنه تجرأ وطالب السفيرة الأميركية التزام القوانين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية. وكلهم يصطفون ضد غادة عون وغيرها من القضاة، الذين يطاردون أصحاب المصارف التي استولت على أموال المودعين.
وياتي التطبيل والتزمير الذي نسمعه عما يسمى "مملكة الخير" وعن كل دولة غنية تعود أثرياؤها زيارة لبنان، أو تمضية فصل الصيف فيه، أو إستقبالها بعض اللبنانيين للعمل فيها، فضيحة لعقلية السماسرة التي تتحكم بمن حكم ويحكم في لبنان. فهل سمعتم مسؤولاً سريلنكياً يتغنى بدور لبنان وبعظمة وعبقرية حكامه؟ أم هل سمعتم مسؤولاً فلبينياً، أو سودانياً أو مصرياً أو أثيوبياً أو... أو... ممن يتواجد الألاف من رعايا كل منهم يعملون في لبنان، يريق ماء وجهه للتذلل للمسؤولين اللبنانيين، حفاظاً على لقمة عيش أولئك الرعايا، التي يحصلونها، مثل المغتربين اللبنانيين، بعرقهم وجهدهم وبما يتوفر لديهم من كفاءات علمية ومهنية؟
لا يقتصر الأمر على تصرفات من يبيع الكرامة بالمال، بل أن هذا التذلل والخضوع المهين من الساسة اللبنانيين، يتوجه صوب كل أذناب أميركا و"إسرائيل". وهي عادة درج عليها سياسيونا منذ أن تكرمت دول الإستعمار بإنشاء كيان لهم يحكمونه ورعية يستغلونها. فهل أن اللبناني يعمل في دول الخليج بتعبه وعرق جبينه، أم أنه متسول يحتاج إلى رضا حكامها وإلى التزلف لهم والتبخير، بما في ذلك التصفيق والترويج لعلاقاتهم الخيانية مع العدو الصهيوني. أم أن عليه فقط إحترام قوانين تلك البلدان، مثلما تفعل كل الدول المتحضرة مع الوافدين إليها. وهل المملكة بلد تحكمه قوانين أم أن التعامل بذل وتبعية معها شرط لاستمرار علاقتها بلبنان؟
ليس الحق على تلك الدول. بل على حكام لبنان الذين عودوا شعبهم على تسول حقوقه منهم. وهم يذلون المواطن يومياً بشتى الطرق والأسباب، لأن علاقتهم به علاقة زبائنية، يتسول فيها المواطن حقه من الدولة، لأن الحقوق توزع بمنطق المحاصصة الطائفية والمناطقية؛ وهي إقطاع للزعيم يوزع منه لمن يخضع اكثر ولمن يكون أوثق في التبعية والولاء. فنحن في دولة يتصرف حكامها وكانهم رؤساء مجالس ادارات شركات يملكونها؛ وليست دولة مؤسسات تحكمها قوانين وتعمل للصالح العام. دولة لم تمتلك يوماً مقدرات الوطن، منذ أن صاغ الأوائل نظامها الإقتصادي وطبيعة العلاقات التي تربطها بالجوار. دولة يذل الرؤساء والزعماء فيها أنفسهم أمام الخارج، ليحصلوا على مناصبهم بدعم منه. وليحصلوا على وكالات سياسية أوتجارية، يستعملونها ليتحكموا بشعبهم ويذلونه لقاء فتات الخدمات التي يقدمونها له. ويتحول المواطن فيها إلى مجرد "زلمة الزعيم"، لأن الأخير هو ولي نعمته، في دولة ضرب حكامها الزراعة والصناعة وهجروا الكفاءات ومعظم جيل الشباب، لأجل أن يبقى الزعيم وأزلامه مسيطرين على الساحة، في تحالف بين زعماء الطوائف وأصحاب المصارف وكبار الأثرياء، لا يزاحمهم فيه أحد ولا يقاسمهم الغلة شريك، فقط يبقى في البلد أتباع يرضون بالفتات وفق نظرية تعتمدها الزعامات اللبنانية وهي "جوع كلبك بيلحقك".
ولذلك اعتاد الثري الخليجي على التعامل مع منبطحين واذلاء، ينادونه ب "عمي الشيخ" ويؤمنون له كل حاجاته من سكن وسيارة وبضاعة تلبي له رغباته الجنسية. هؤلاء هم معظم كبار الأثرياء في لبنان، ففي لبنان لا مجال لأن تكون ثريا ما لم تهاجر إلى بلاد الإغتراب، أو تحصل على وكالة من شركة أجنبية، أو تمارس تجارة المخدرات، أو تتبع لثري خليجي. ألم يثرى كثيرون من وراء الالتحاق برفيق الحريري عندما كان إسمه رجل الأعمال السعودي، قبل أن يعود لبنانيا ويصبح رئيس حكومة؟
لذا تعودت بلدان الخليج على المسؤول اللبناني يطلب المال لنفسه ولعائلته وحاشيته بصفة رسمية، لأنه في حقيقته تاجر. وتعود اللبنانيون على المسؤول ياخذ رشوة من التاجر، لقاء ان يمرر له صفقة بضاعة او مواد غذائية فاسدة. 
وها هي الحلول المزمعة للأزمة اللبنانية، تكشف تمسك المسؤولين اللبنانيين، على مختلف مشاربهم، بشروط البنك الدولي وجوهرها إصلاحات تدفّع الفقراء ثمن ما سرقه الأغنياء والحكام؛ وتواصل مسيرة الفساد بالتورط أكثر في شرك الإستدانة، في حين أن لبنان عاجز عن الإيفاء بفوائد ما عليه من ديون. لأنه ممنوع أن يتحول لبنان إلى وطن يأكل ناسه مما يزرعون ويلبسون مما يصنعون؛ ويستورد حسب ما تقتضيه مصلحته. لأن ذلك يغير تركيبة نظام السمسرة ويضعف نفوذ وأدوار السماسرة الحكام.   
ولذلك يتم التمسك بتكليف سعد الحريري تشكيل حكومة، فهو يختصر بشخصه عقلية الحاكمين والمتزعمين، فبرنامجه الإستدانة للحصول على المزيد من الدولارات؛ والبدء بالغاء القطاع العام والخصخصة وبيع أملاك الدولة. وبمعنى أوضح، يقترح للخروج من الأزمة القائمة، أن تبيع الدولة أصولها العامة الى المستثمرين الأجانب وتزيد مديونيّتها الخارجية؛ وتُرهق المواطنين بالضرائب وتسلب الموظفين والمتقاعدين جزءاً من مكاسبهم؛ وتحل أزمة الكهرباء من ميزانيات العائلات. ولا يقوم بمثل هذه الارتكابات إلا دولة سماسرة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل