أقلام الثبات
قد تكون لجائحة كورونا إيجابياتها على المستوى السياسي في لبنان خلال شهر رمضان المُبارك، كي لا تجمع مآدب الإفطار زمرة السياسيين ورجال الدين على طاولات الخبز والملح ومنابر التكاذب. وفي الظروف التي يمر بها لبنان حالياً، إستغنى الصائمون عن تشكيل حكومة واستعادة هيبة الدولة عن مدفع رمضان للإفطار، ما دامت المنصات الإعلامية ومواقع التواصل باتت منصات إطلاق صواريخهم وقذائفهم في تبادل الإتهامات، وسط الصوم الطويل للشعب اللبناني عن لقمة كرامة طال موعد الإفطار عليها.
زيارة الحريري الى الفاتيكان لم تنتهِ بتصاعد الدخان الأبيض من أعلى المدخنة التاريخية، ودخان الفاتيكان السياسي هو عادة رمادي، ولا يُقدِّم ولا يؤخِّر في اللعبة الدولية، لأن دولة الفاتيكان سلاحها الصلاة، في عالمٍ تسكنه شياطين السياسة وتسوده لُغة السلاح والدمّ، وبلغت الصراعات مرحلة حرب الجيل الرابع في الخنق الإقتصادي الى حدود التجويع كما يحصل حالياً في لبنان، والفاتيكان لا يُنتج النفط لتثميره في الحروب ولا يستورد "الرمان" ويجعله ذريعةً لمزيد من العصر على أعناق اللبنانيين.
إنتصر الحريري شكلياً عبر لقاء البابا وتبادل الهدايا معه ومجالسته لنصف ساعة، وهذه المظاهر البروتوكولية كان يُحبها "المرحوم الوالد"، ويبني مجد علاقاته الدولية من خلالها، لكنها لم تعُد تُصلِح في هذه الظروف، لأن صُنع السياسات وصياغة العلاقات باتت لها أساليبها ووسائلها، وهي باتت رهن التوازنات الدولية الكبرى، وما تتمّ صناعته وصياغته في الغرف السوداء من واشنطن الى تل أبيب مروراً بالرياض، لا تتلطّخ به عباءة البابا البيضاء، ولا ترضى أن تتلوَّث بعصير الرمان، في زمن التحالفات الوقِحَة، والإتفاقيات التبادلية الإقتصادية على عينك يا تاجر، سيما وأن الرمان الإسرائيلي معروض مع سائر الفواكه والخضار تحت راية نجمة داود في الأسواق السعودية والخليجية.
ولأن بيت الحريري اعتادوا في رمضان الحجّ الى السعودية للإفطار على صدى مدفعها، وقضاء أيام العيد فيها، فإن مدخنة الفاتيكان قد زادت المدفع السعودي دخاناً بوجه الحريري، هو الذي يُحارَب مسيحياً من لبنان في أرض الحرمين، ويكاد سمير جعجع يُقيم قداساً على نيَّة الملك سلمان وولي عهده في دير سيدة إيليج، واليد السعودية "طويلة" في لبنان، خصوصاً عندما تلجأ أدوات المملكة الى المُجاهرة ضد سلاح حزب الله ورفض "الهيمنة الإيرانية"، وهنا تكمُن أسرار العرقلة ليس فقط في تشكيل سعد الحريري لحكومته بل في تحرُّك عجلة حُكم حليف المقاومة ميشال عون خطوة واحدة مع اقتراب نهاية السنة الخامسة من عهدٍ ممنوعٍ من الحُكم!
كان سعد الحريري يذهب الى السعودية لإلتماس رضا الإمارات لأسباب تجارية إستثمارية خاصة به، حتى عندما "استُقيل" من منصبه كرئيس حكومة لبنان من قلب الرياض، أرسِل "مخفوراً" الى الإمارات للإعتذار من محمد بن زايد، وترميم الشراكة التجارية الخاصة معه، لكنه الآن، واستناداً الى إفادة حليفه السابق سمير جعجع للسعوديين، أن الحريري ليس الشخص المناسب في السراي لمواجهة حزب الله، فإن الأمر بات مرتبطاً بالإتفاق النووي الإيراني أكثر من أي وقت، وتوافق إقليمي سعودي إيراني على ضوء الإشارة الدولية، وعندها فقط يدخل الحريري السراي على حصانٍ أبيض، دون الحاجة الى مدخنة الفاتيكان ودويّ المدفع السعودي... .