أقلام الثبات
46 عاماً مضت على الشرارة التي تطايرت عند الثالثة من بعد ظهر الأحد في 13 نيسان 1975 من "بوسطة" عين الرمانية، ليندلع اللهيب الواسع الذي ما نزال نعيش آثار حريقه جراء عدم تطوير النظام السياسي المولّد للأزمات والفتن على مختلف أشكالها منذ الاستقلال عام 1943، حيث إنه نحو كل خمسة عشر عاماً نكون على موعد مع أزمة أو فتنة.. بين 1943 و1958 ثمة 15 عاماً وفتنة، وبين 1960 و1975 هناك 15 عاماً، وبين (1990 - 2005) و(2005-2020) هناك 15 عاماً وفي كل مرة أزمة أو أزمات لا نعرف كيف تبدأ ولا متى تنتهي!
نظامنا السياسي كأنه "أوروبوروس"؛ ذاك الثعبان الأسطوري العملاق الذي يلتفّ حول نفسه فيبلع رأسُه ذَنَبَه، ويصير كالدائرة المغلقة، بحيث ما أن يقترب أحد منه حتى يبصق ذيله ويبتلعه، ليعود من جديد إلى شكله الدائري.
هكذا لم يستطع "أوروبوروس" أن يتحمّل فرساناً شجعاناً مرّوا بقربه وفضحوا حركته.. هو لم يستطع تحمُّل في الأربعينيات ومطلع الخمسينيات من القرن الماضي الوزير والنائب إميل جرجس لحود، ولم يتحمّل جميل جرجس لحود، الذي أكد انحيازه في وزارة العمل إلى جانب العمال والفقراء في العام 1966، ولم يستطع أن يتصور الوزير الراحل إميل بيطار، وتصدّيه لمافيات الدواء والاستشفاء، ولا الوزير هنري اده في مطلع سبعينيات القرن الماضي.
"أروربوروس" ما بعد الطائف لم يستطع تحمُّل ضمير الوطن البروفيسور سليم الحص، ولا وزراء من أمثال جورج قرم، وحسن شلق، ودميانوس قطار، وشربل نحاس، خصوصاً أنه تغذى جيداً، مذهبياً وطائفية ونهباً وفساداً، وصار كيفما تطلّعتَ لا تجد إلا الفساد، والنهب: من الأملاك البحرية والنهرية، إلى المشاعات وفضلات العقارات، إلى "الزبالة"، إلى تلوُّث الليطاني، إلى الخبز المسرطَن، إلى التهرُّب من الكشف عن ثروتنا الوطنية من غاز ونفط براً وبحراً، إلى نهب حقوق البلديات، من الصندوق البلدي المستقبل، إلى التمديد، إلى شبكات الاتجار بالبشر والدعارة، وليس انتهاء بالإنترنت غير الشرعي، ومحاولات بيع الأملاك العامة من الكهرباء إلى المياه، دون أن ننسى خصخصة العاصمة وجعلها ملكية لشركة.. إلى إلى.. جريمة العصر والسرقة الموصوفة بنهب أموال المودعين في المصارف.
يُروى عن أول رئيس حكومة مرّ في تاريخ لبنان لمدة ثلاثة أيام في زمن فيصل الأول؛ عمر الداعوق، ولاحقاً صار رئيساً لبلدية بيروت، ورئيساً لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، أنه أوصى البيارتة بالاستثمار بالحجرين (أي حجر العمار وحجر الذهب).. لكن بعد الطائف ذهب حجر العمار لشركة "سوليدير"، والحجر الثمين التهمه الدَّين العام والعجز في الخزينة.. وسرقة أموال المودعين، والله أعلم ماذا حل بالذهب في مصرف لبنان، كلها اِلتهمها "أوروبوروس".
ماذا بعد؟
باختصار، يوافق الرئيس إميل لحود تماماً على المقولة التي أطلقها الرئيس الراحل فؤاد شهاب على السياسيين "أكلة الجبنة"، فهل سنرى ثورة قضائية على طريقة الأيادي البيضاء في إيطاليا، التي تصدى فيها قضاة للمافيات ومن وراءهم من سياسيين..؟
ثمة حقيقة وهي أنه: حين ننشىء بلداً يعطي للمواطن حقوقه مهما كان انتماؤه الديني، عندها ستتحول السرديات عن الهوية الدينية إلى نوع من حركة ثقافية جميلة، وتكف عن كونها عنصر تعطيل لقيام الدولة.
نحن بلد فرطت مؤسساته، وأهله يجوعون، وطالما لا توجد لدينا مؤسسات، من المستحيل أن نصل إلى صيغة تجمعنا.
نحن في فترة انهيار مديد، ولم نعد بهذه الأهمية اقليمياً، فلنتفق على بناء المؤسسات ليست المشكلة من يسيرها الفينيقي أو العربي.
تحمسنا لـ 17 ت1، لكن تبين أن النظام الطائفي أقوى بكثير، نحن جزء من الحضارة العالمية، ولسنا بحاجة لأساطير لتجد لنا دوراً.
حمى الله لبنان ومقاومته وجيشه..