أقلام الثبات
حُلَّت في الأردن على الطريقة العشائرية، دون ملامسة "الخشم بالخشم" بين الملك عبدالله وشقيقه الأمير حمزة، وتولى كبير العائلة الهاشمية ولي العهد الأسبق الأمير حسن، جمع ولي العهد السابق حمزة بأبناء عمومته، وانتهى الإجتماع الى توقيع "المُتمرِّد" كتاب دعم لجلالة الملك، مع تعهُّد باحترام الدستور.
والنظام الملكي في الأردن، هو هو، كما في كل بلدان العالم، "مات الملك، عاش الملك"، وتعيين ولي عهد ثم خلعه وتعيين آخر بديلاً عنه هو أمر حصري بالملك، والعائلة المالكة -عالمياً - هي من فئة "الدم الأزرق"، سواء كان الحُكم ملكياً دستورياً كما في الأردن، أو ملكياً مُطلقاً كما في السعودية، أو ملكياً برلمانياً كما في بريطانيا وبعض الدول الأوروبية.
وما حصل للأمير حمزة، حصل سابقاً مع عمِّه الأمير حسن، عُيِّن ولياً للعهد بصفته شقيقاً، أو أخاً غير شقيق للملك، ثم خَلِع لمصلحة الإبن، والخطوة التي أقدم عليها الملك الراحل حسين بخلع شقيقه عن ولاية العهد لصالح إبنه عبدالله في كانون الثاني عام 1999، أقدم عليه الملك عبدالله بخلع أخيه غير الشقيق حمزة لصالح إبنه حسين عام 2009، والمسألة ليست في الخلع الذي طال حسن وحمزة، بل في القاسم "الإسرائيلي" المشترك الذي طغى على مصير كلٍّ منهما.
العامل الإسرائيلي المُساعد في خلع ولي العهد الأسبق حسن، أن الملك حسين استضاف في أواخر العام 1998 وزير الحرب الصهيوني إسحق موردخاي، وطلب منه خلال الزيارة حضور مناورة عسكرية يقودها نجله عبدالله، وإبداء رأيه به إذا كانت شخصيته مُطاعة، وبالفعل أعطى موردخاي إنطباعاً إيجابياً عن عبدالله، وفق الناطق بإسم الجيش "الإسرائيلي" يومذاك "آفي بنياهو"، ولم يمُر شهران على هذه الزيارة حتى تمّ خلع الأمير حسن وتعيين عبدالله بديلاً عنه في كانون الثاني 1999، وقد صرَّح حسن حرفياً في إحدى إطلالاته المُتلفزة، أنهم "قرروا أن يضعوه على الرفّ ".
العامل "الإسرائيلي" الأخطر الآن، أن المسألة لا ترتبط بحرِّية الملِك في اختيار ولي عهده عبر عزل شقيق وتعيين إبن، بل لأن "رأس" الملك عبدالله مطلوب، "إسرائيلياً" وأميركياً، و"تطبيعياً" من بعض دول الخليج، كونه رأس الحربة في معارضة "صفقة القرن"، والرافض لِضَمّ غور الأردن الى خارطة ترامب في ترسيم دولة فلسطين بموجب هذه الصفقة، إضافة الى كون الأردن منذ العام 1967 مطروح كوطن بديل للفلسطينيين، والظروف تغيَّرت والأحداث تسارعت خلال العقدين الماضيين، و"إسرائيل" بكل وقاحتها الآن، ربما تُشرِف على تحضيرات الإنقلاب المُتَّهم به الأمير حمزة، بدليل أن العضو السابق في الموساد المُقيم في أوروبا، إتصل بزوجة الأمير عند الساعة الثالثة بعد الظهر من يوم "الإنقلاب على الإنقلاب"، عارضاً طائرة خاصة لنقل العائلة الى دولة أجنبية، بينما صحيفة "الواشنطن بوست" نشرت الخبر عند السادسة مساء، في ما يبدو وكأن الموساد مُعشش في شوارع عمَّان!.
وإذا كان الأمير حمزة شاء الإنتقام المؤجَّل، وأقدم على صياغة سيناريو الإنقلاب، نتيجة عزله عن ولاية العهد - بصرف النظر عن دور لوالدته الملكة نور المُقيمة في دبي- فإن الملك عبدالله قد تغدَّى بحمزة قبل أن يتعشى حمزة به، ولا مجال للتمييز بين مَن هو قايين بين الأخوين ومَن هو هابيل، والأزمة لم تنتهِ بتبويس اللحى بين الهاشميين وطيّ صفحة الإنقلاب، بوجود عشائر كبيرة لديها وجهاء في السجون، ولا تستطيع الأسرة الهاشمية إغضابها وتدفيعها الثمن وحيدة أمام محكمة أمن الدولة، وقد يجد الملك عبدالله نفسه مُحرجاً أمامها ما لم يُحاكِم حمزة، مما قد يضطره الى اتخاذ الخيار الصعب بالعفو "عمَّا مضى"، لأن عشيرة كُبرى مثل "المجالي" تُوالي العرش صوناً للهوية الأردنية في بلدٍ 80% من سكانه فلسطينيون، و"الوطن البديل" كاد يكون بديلاً منذ زمن لولا حماية العشائر عبر أفرادها في الجيش والدوائر المدنية، ومتى اعتبرت أي إجراء قضائي إعتداءً عليها، فهي لن ترحم ساكن العرش كائناً مَن كان، قايين أو هابيل...