أقلام الثبات
تسود البلاد في الأيام القليلة الفائتة أجواء إيجابية، تشي بقرب ولادة الحكومة المرتقبة، غير أنها لم ترتق الى مستوى التفاهم التام على تشكيل الحكومة المرتجاة، فالمساعي الداخلية والخارجية، لاتزال تبذل، كي تبصر الحكومة النور، ولكنها لم تصل الى الخواتيم السعيدة، على حد تعبير مرجع رسمي. ويستبعد تأليف الحكومة في الأفق القريب، في ضوء تمسك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بإجراء التدقيق الجنائي في الحسابات المالية للدولة اللبنانية، الأمر الذي لا يتحمّله، الرئيس المكلّف وحلفاؤه. وفي هذا الصدد لا يستبعد المرجع أن يكون الهدف الفعلي من وراء المواقف التسووية الأخيرة لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، هو أن تشمل التسوية الحكومية المنتظرة، قضية التدقيق الجنائي أيضاً، علماً أن الحريري إتهمه بالخيانة، وذلك في إتصالٍ مع النائب علي حسن خليل.
بالإضافة الى العقبة الأساسية، المتمثلة بالتدقيق الجنائي، يبقى هناك عقبة كبيرة في وجه مهمة الحريري أيضاً، وهي "عقبة" إقصاء حزب الله عن المشاركة في الحكومة الحريرية الرابعة المفترضة، بناءً للأومر الأميركية – السعودية في هذا الشأن."لذلك فإن الأمل في ولادة الحكومة على يدي الحريري، ضعيف جداً"، على حد قول المرجع. ويؤكد عدم قدرة الرئيس المكلّف، على الإستمرار طويلاً في إنتهاج سياسة المماطلة والتعطيل المتمسك بها، وستتخذ إجراءات مناسبة لوقفها في التوقيت المناسب، مرجحاً ألا يكون بعيداً. ويكشف أن البديل من الحريري، بات جاهزاً، رافضاً الغوص في التفاصيل أكثر من ذلك.
وعن حقيقة الأجواء التفاؤلية المذكورة آنفاً، تكشف مصادر دبلوماسية متابعة، أن فور تجاوب الرئيس عون، مع مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، التي طرح من خلالها، صيغة حكومة من 24 وزيراً، لا ثلثاً ضامناً فيها لأي طرف، طار الحريري الى دولة الإمارات العربية المتحدة، للطلب من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، التوسط، لدى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان آل سعود، لإستقبال الحريري، أو على الأقل إستحصاله على إذن تأليف حكومة من المملكة، فإذا كان للرئيس المكلّف ما يريد، فهناك إحتمال كبير بولادة الحكومة، أما بغير ذلك، فسيستمر بالتعطيل، وإختراع الذرائع لإستمراره، بعدما حشره رئيس الجمهورية في "بيت الياك"، من خلال تجاوبه مع مبادرة بري، على حد تعبير المصادر.
وفي سياق الأجواء التفاؤلية أيضاً، يعتبر مرجع قريب من موقع القرار في حزب الله، أن المرونة التي يبديها الحريري في الآونة الأخيرة من أجل تأليف الحكومة، وتجاوبه مع طرح "صيغة الـ 24"، هو نتيجة مساعٍ بذلها الثنائي بري – جنبلاط، لدى الحريري لإقناعه في هذه الصيغة، على أنهم سيشكلون حلفاً وزارياً في الحكومة المرتقبة، لمواجهة رئيس الجمهورية وحلفائه في مجلس الوزراء، عند المقتضى. ولا يستبعد أن يكون المقصود من قيام هذا الحلف المفترض، هي محاولة إسقاط التدقيق الجنائي، إذا تسنى لهم ذلك. غير أن الرئيس عون مصمم على إجراء التدقيق، مهما بلغت الأثمان.
ويلفت إلى الخطوط العامة لعملية تأليف الحكومة، قد رسمت، ولكن تبقى تفاصيل مهمة جداً، كإنتقاء أسماء الوزراء من ذوي الإختصاص والكفاية. كذلك ضرورة تفاهم رئيسي الجمهورية والحكومة المكلّف، على تسمية مختلف الوزراء، وتوزيع الحقائب، وفقاً للقواعد الدستورية. ويختم المرجع بالقول : "إذا عاد الحريري، وقدم تشكيلةً حكوميةً، كالتي سلّمها الى رئيس الجمهورية، في لقائهما الأخير في قصر بعبدا، هذا يعني أنه لا يريد تأليف حكومة، أما في حال تجاوب في شكلٍ جديٍ مع مساعي بري – جنبلاط، كذلك رضوخ الرئيس المكلّف للضغوط الفرنسية، عندها قد تتكثف الإتصالات بين باريس والرياض، لرفع الفيتو السعودي عن الحريري، من أجل تأليف حكومته الرابعة"، ودائماً برأي المرجع، ولكن من دون أن يضمن أي نتائج مرتقبة.