تبعيون لا حياديون ـ عدنان الساحلي

الجمعة 02 نيسان , 2021 10:14 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يتستر رموز التبعية وأهلها بما يدعونه حياداً، لإخفاء عمق تبعيتهم وتأصل خصالها في نفوسهم وسياساتهم، منذ أن اقترنت أدوارهم بوجود الأجنبي وبتجيير نفوذه لصالحهم، مقابل تسخيرهم لحضورهم وفعلهم وقولهم لخدمة ذلك الأجنبي. 
ولا يختلف هؤلاء "الحياديون" عن بقية رموز منظومة الفساد، المتحكمة بحياة اللبنانيين ومقدراتهم، حتى يخال المرء أنه ليس أمام مرجعيات ولا سياسيين، بل مجرد متذاكين يلعبون على عقول الناس ليضللونهم ويقنعونهم بطروحاتهم المنافية لواقع لبنان ولحقيقة التحديات التي تواجهه.
والسؤال البديهي الذي لا بد من طرحه على هؤلاء، هو عن أي حياد يتحدثون في حين أن لبنان بات أشبه بمستعمرة أميركية، تضج بطغيان الوجود الأميركي العسكري والدبلوماسي على كل نواحي السلطة فيه. حتى بات يصح أن تطلق عليه تسمية "جمهورية موز"، لتطابق النفوذ الأميركي في حمايته لمنظومة الفساد فيه وتبعيتها له، مع مثيلاتها الديكتاتورية في دول أميركا اللاتينية وبعض أنحاء افريقيا وآسيا.
وتتذرع أصوات دعاة التدويل تلك، بما تسميه "نفوذ إيراني" يسيطر على لبنان، من خلال قوة المقاومة فيه، التي هي جزء لا يتجزأ من محور المقاومة الذي تشارك فيه إيران وتدعمه.
لكن جماعة التدويل يتجاهلون أن المقاومة، هي مقاومة اللبنانيين الذين قاتلوا المحتل "الإسرائيلي" وحرروا معظم الأرض المحتلة. وكان قتالهم وما يزال، سواء في طرد المحتل، أو صد الغزوة التكفيرية المصنعة أميركياً، دفاعاً عن لبنان وحماية للبنانيين. في حين أن بعض أبرز دعاة التدويل تحالفوا مع العدو "الإسرائيلي" وكذلك مع التكفيريين. وهل ينسى اللبنانيون ذلك الصوت الذي دعا سكان الأشرفية في بيروت للترحيب بحلفائه التكفيريين، الذين أمعنوا يومها تخريباً في ممتلكات ومقدسات مستقبليهم. 
أما لجهة ما يسمونه "إحتلالاً إيرانياً"، فإن الحقائق على الأرض تدحض أقوالهم. فلا وجود عسكرياً إيرانياُ في لبنان. بل على العكس، إن التعاون العسكري اللبناني الرسمي مع الأميركيين، أتاح لهم الإستحواذ على قاعدة عسكرية في مطار حامات في البترون. كما أن معظم القواعد العسكرية اللبنانية مفتوحة أمام الجيش الأميركي؛ ويتواجد فيها حشد من المستشارين والعسكريين الأميركيين. والطائرات العسكرية الأميركية تحط وتطير ساعة تشاء من المطارات اللبنانية. كما أن ثكنات قوى النخبة في الجيش قلما يغيب عنها الضباط والمستشارون الأميركيون. كل ذلك مقابل خردة سلاح قديم يحصل عليه الجيش اللبناني من الأميركيين، الذين يمنعونه من إستعماله لصد الإعتداءات "الإسرائيلية". 
كذلك، يتصرف السفراء والدبلوماسيون الأميركيون في لبنان كمندوبين ساميين، لا يغيبون عن الإدارات العامة. ولا تتوقف جولاتهم وزياراتهم للمسؤولين الرسميين وللسياسيين وقادة الأحزاب القريبة منهم. ولا يتورعون عن التصريح والتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية. والسفير الأسبق جيفري فيلتمان سبق له أن صرح أمام الكونغرس الأميركي، بأنه صرف أكثر من خمسمائة مليون دولار في لبنان لتشويه صورة حزب الله. أما السفيرة الحالية دوروثي شيا، فإن نفوذها أطاح بقاض لبناني من وظيفته، عندما أراد أن يقوم بواجبه ويلفت نظرها إلى تصريحاتها الفوقية وإثارتها الفتنة بين اللبنانيين.
واللافت أن الجهات التي تطالب بالحياد هذه الأيام، هي ذاتها لطالما وصفت المستعمر الفرنسي بانه "الأم الحنون". بل أن البعض يخرج علينا بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي "لمساعدة لبنان على إعادة إنتاج السلطة واستعادة سيادته الوطنية". فالحياد في عرف هؤلاء هو التبعية للغرب والولاء له. وهذا ما نراه بوضوح في ربط كل علاقات لبنان مع الغرب والولايات المتحدة، في حين يحارب مدعو الحياد أي علاقة تفيد لبنان إقتصادياً وسياسياً مع روسيا أو الصين أو إيران، مما يؤكد أن إرتهانهم لأميركا والغرب يتفوق على ما يدعونه من تمسك بمصلحة لبنان.
ويتجاهل دعاة الحياد وجود العدو "الإسرائيلي" وخطره الدائم الداهم على حدودنا الجنوبية. وتشكل دعوتهم للحياد إعلاناً بالإستسلام لهذا العدو ولمطامعه المعلنة في الأرض والمياه اللبنانية؛ وفي الثروة النفطية المتنازع على مكامنها حالياً. وموقف هؤلاء من الحرب التي شنت على سورية يدينهم في إنحيازهم ضدها وضد قيادتها وجيشها وشعبها. كما أن مواقفهم من الحرب الأميركية-السعودية على اليمن وقتل وتجويع شعبه؛ ومن العدوان الأميركي على العراق والتهديدات ضد إيران، تسقط أي مصداقية لدعواتهم إلى حياد لبنان. الذي يبدو أنه شعار يستعمل باعتباره خدعة لخدمة العدو، بدل إحراجهم بمواجهته. ويدل سكوتهم عن الخروقات "الإسرائيلية" اليومية والمستمرة، للأجواء والمياه والأرض اللبنانية، على تواطوئهم مع هذا العدو. خصوصاً أن حيادهم في حقيقته، مطلب أميركي –"إسرائيلي"، لأن الأخيران يريدان إستفراد القوى التي تواجه مشروعهما في المنطقة. والحياد المزعوم يخسر لبنان ومقاومته حلفاء يحتاجونهم في وقوفهم بوجه العدوانية "الإسرائيلية"، المحمية والمدعومة من الإدارات الأميركية والحكومات الأطلسية. ولا ينسى اللبنانيون، أن أحد رموز هذا الحياد سبق وطالب العدو "الإسرائيلي" بالوصول في غزوه إلى العاصمة بيروت، بما يضمن إنتخاب ذلك الرمز رئيساً للجمهورية، في حماية الدبابات "الإسرائيلية". فهل يريد دعاة الحياد فتح الطرق أمام غزو "إسرائيلي" جديد؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل