أقلام الثبات
ورقة اللاجئين والمهاجرين كانت أخطر ورقة تهدد بها تركيا اقتصادات دول الإتحاد الأوروبي، بينما كان "الإسلام السياسي" أخطر ورقة تهدد بها لندن استقرار دول أوروبا، ثم جاءت ورقة المظاهرات والسترات الصفراء كأقوى سلاح لواشنطن للي ذراع أي حاكم أوروبي يفكر في الخروج عن الفلك الأمريكي.
وكي نطلع أكثر على الواقع نعود إلى التاريخ القريب، وبالتحديد في إبريل/نيسان 2019م بعد إعلان فوز رئيس حزب "فيديسز" المجري فيكتور أوربان برئاسة الوزراء لولاية ثالثة، والذى كان يشدد دوما فى حملته على أن أي هزيمة له في الانتخابات ستؤدى الى فوضى فى ملف الهجرة وانتصاراً لأعداء المجر الذين يريدون تجريد المجريين من بلادهم.
وقبل تصريحات رئيس الوزراء والمعارض الليبرالي الذي تحول الى بطل يميني فيكتور أوربان، كان الرئيس المجري يانوش لازار يعزف على نفس الوتر، حينما قال: "أنّ العاصمة النمساوية فيينا أصبحت مكاناً سيئاً بسبب المهاجرين والأجانب"، وهو الأمر الذي تسبب فى ردود فعل غاضبة من قبل السياسيين النمساويين وعلى رأسهم رئيس الوزراء الشاب سباستيان كورز.
نسوق هذه الخلاصات عن المجر التي تقع في وسط أوروبا، لأنها تعكس حقيقة الوضع الأوروبي الحالي والتحديات والتهديدات التى تواجه أوروبا التى تتعرض للضغوط من صديقة الأمس بريطانيا التى خرجت من الإتحاد الأوروبي، مرورا بالولايات المتحدة الأميركية التى تنقض على مصالح أوروبا بالشرق الأوسط، وصولا إلى تركيا التى تتعامل مع الإرهابيين في معسكراتها بشرق تركيا وورقة المهاجرين على أنهم القوى الإنكشارية التى ستمد نفوذ الأمبراطورية العثمانية الجديدة لما هو أبعد من إسطنبول وأزمير.
فقد صرح رئيس برلمان المجر لاسلو كوفير خلال كلمته التى ألقاها بمنتدى سوبرون (غرب المجر) في ابريل/نيسان 2019، قائلا: "إن 500 كنيسة أغلقت أبوابها في العاصمة لندن منذ عام 2001 مقابل بناء 423 مسجدا جديدا في المدينة، وأنّ عدد المسلمين والمسيحيين المؤدين للصلوات في لندن سيبلغ ما بين 800 الى900 ألف شخص، ولكن سيكون أعمار 50 بالمئة من المصلين المسيحيين أكثر من 65 عاما، بينما 50 بالمئة من المصلين المسلمين أقل من 25 عاما، وان كانت التركيبة السكانية والثقافية للمملكة المتحدة أصبحت على هذا الشكل، فالسؤال لنا الأن، هل تريد المجر أن تكون على نفس الشكل أيضا أم تتجنب حدوث مثل هذا الوضع".
وتأتي رؤية رئيس البرلمان المجري لشكل القارة العجوز جراء تدفق موجات اللاجئين العرب والمسلمون لأوروبا بسبب الحروب بالمنطقة كرؤية رئيس الوزراء فيكتور أوربان، الذى قال: "أنّ معظم اللاجئين في أوروبا قادمون من الدول الإسلامية، وفي حال استمرار الوضع على هذا الحال سيكون سكان كبرى المدن الأوروبية من المسلمين".
وأذا كان ذلك هو وضع أوروبا، فحسب السؤال الذي طرحه رئيس برلمان المجر على شعبه، فإن السؤال الآن: أي إسلام هو الذى سيكون فى أوروبا؟، في ظل توغل "الإخوان المسلمون" وسيطرتهم على أغلب المؤسسات الإسلامية بأوروبا تقريبا إن لم يكن جميعها، فالنمسا وزيورخ وروما وباريس ومن قبلهم لندن باتت أكثر أمناً وهدوء لقيادات وعناصر جماعة الإخوان من إسطنبول والدوحة، فمن جهة الشمال غرب ستجد الصانعة والحاضنة لتنظيم الإخوان بريطانيا، ومن جهة الجنوب شرق تركيا التى يتزعمها حزب "العدالة والتنمية" الإخواني، والتى يبلغ تعداد سكانها أكثر من 80 مليون نسمة نصفهم تقريبا موالٍ للحزب الحاكم وللتيار القومي (الموالي أيضا لحزب العدالة والتنمية) وترغب فى الإنضمام للاتحاد الأوروبي.
فلندن عاصمة وصانعة "الإسلام الاخواني" هي التي أصدرت شهادة ميلاده فى مشهد التحول الديموغرافي لأوروبا بشكل أساسي، وحقيقة الأمر فإن بريطانيا ليست خاسرة جراء ما أصاب أوروبا وبالتحديد أكبر أمتين بالقارة العجوز فرنسا والمانيا، لأنهما أكثر المتضررين من ملف اللاجئين بالتزامن مع إختراق المخابرات التركية لأغلب دوائر تلك الدول، ولنا فى كم العمليات الإرهابية الكبيرة التى شهدتها فرنسا والمانيا دون غيرهما من دول العالم دليل، برغم أنه كان يفترض أن تكون بريطانيا هي المستهدفة بحكم دورها الفج فى غزو العراق 2003 والحرب على سوريا وليبيا واليمن.
وهذا أمر لم يكن مفاجئاً للدولة العميقة في فرنسا، ونتذكر حديث رئيس أركان فرنسا الأسبق إدوارد جيو عام 2012 لمجلة "لوبوان"، عندما سألت الصحيفة رئيس الأركان عن الخطر الذي يهدد مستقبل القارة الاوروبية، فقال: "أن "الجهاديين والتكفيريين" الذين يتم تدريبهم بمعسكرات شرق تركيا، بعد إنتهاء مهمتهم فى الشرق الأوسط سيزحفون علينا عاجلا أم أجلا."
خلاصة القول فى ظل أمواج الهجرة من بلادنا إلى القارة العجوز، وتأثر مسلمي أوروبا الذين ولدوا وعاشوا فى المجتمع الأوروبي بالفكر الداعشي (حسب تقارير تلك الدول)، رأينا قيادات لداعش فى سوريا والعراق من أصول وجنسيات أوروبية، بالتزامن مع تحول تركيا من دولة ممر للتكفيريين والارهابيين الى دولة مقر، فى ظل رؤية أردوغان لهولاء الارهابيين على أنهم القوى الإنكشارية الجديدة التى ستمد نفوذ دولته خارج حدود تركيا.