أقلام الثبات
نحمد الله ونشكره على خلاص ناقلة الحاويات "إيفر غيفن" بالسلامة من قناة السويس، وحقٌّ للمصريين أن يُفاخروا بكفاءاتهم وجهودهم التي أغنتهم عن الاستعانة بالخارج لتحرير السفينة وتحرير قناة السويس، خصوصًا أن كلفة الحادثة على التجارة العالمية تخطت العشرة مليارات دولار بستة أيام وخسرت مصر أربعة عشر مليون دولار يوميًّا نتيجة إغلاق القناة. وبصرف النظر عن أسباب الحادثة، وما سوف تُنتجه التحقيقات، فإن الثابت من العروض التي أبدتها الدول، من الولايات المتحدة وصولاً إلى تركيا، للمساعدة في إنقاذ مقدِّمة السفينة العالقة في الرمال، أن هذا الغرق الجزئي لناقلة حاويات قد حرَّك العالم، لأن لقناة السويس قيمة تجارية عالمية بين البحرين الأحمر والمتوسط، وتحِلُّ الكارثة لو غرقت فيها باخرة، بينما لو غرِق كل الشعب المصري ومعه الشعب العربي في بحار الدماء لا يتحرك رمش عين في هذا العالم.
وقفتنا اللبنانية على قارعة قناة السويس، نتأمل خلالها واقعنا المرير، من خلال المُقارنة الذليلة بين مصر ذات الوزن الشعبي والسياسي والعسكري والاستراتيجي والحدود الجغرافية الطبيعية مع ليبيا والسودان، ومع خليج العقبة الأردني ورأس تبُّوك السعودي المواجه لشرم الشيخ عدا عن حدودها مع فلسطين المحتلة، كيف استنفرت كل قواها الذاتية لإنقاذ شريان إقتصادي غير حدودي، لننتقل إلى لبنان المأزوم المقزوم، العاجز عن فتح حدوده الشرعية الوحيدة مع الجارة سورية، ليتشاركا على الأقل أزمة مواجهة الحصار بل الحصارات الخانقة على البلدين في وحدة مسار "ممنوعة" ومصير محتوم!.
أحد المسؤولين عن شؤون مشاريع قناة السويس، شبَّه نجاح تعويم السفينة "إيفر غيفن" بنصر أكتوبر عام 73، وللوهلة الأولى، يبدو التشبيه نوعاً من المُبالغة ولكن، اعتماد مصر على نفسها دون أن تمُد يدها للتوسُّل وتسوُّل المساعدة هو إنجاز، هي التي تُفاخر بنصر أكتوبر، بينما نحن الذين دسنا على عُنق المحتل الإسرائيلي، وهزمناه بالنيابة عن كل العرب، نُعاني من إعاقة في الكرامة ونربط مصيرنا منذ أيام السين- سين بأية دولة كانت من بلاد الماو ماو الى الصين، وآخر إنجازاتنا، أن رئيس حكومتنا المُكلَّف سعد الحريري، نال منذ يومين جرعة معنويات من تصريح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان.
ونستكمل المقارنة بين مصر ولبنان، لنتوقَّف عند استياء الشعب المصري من عدم إقدام وزير النقل كامل الوزير على الاستقالة، بعد كارثة تصادم القطارين في محافظة سوهاج، وقد برَّر الوزير بقاءه في منصبه بذريعة العمل على خدمة مصر، وبهدف تطوير وسائل النقل وتأهيل سكك الحديد، ونحن في لبنان صرنا على الحديدة، وما زلنا ننتظر الرئيس المُكلَّف ليُشكِّل لنا حكومة، ويُعلن عدم رغبته بالاعتذار، ويضع ورقة التكليف في جيبه حتى إشعارٍ آخر، ويراهن على متغيرات دولية تسمح له باستقدام فريق عمل خاص به تحت مُسمَّى حكومة، وهو بذلك سرُّ أبيه، ويهوى توظيف أهل الاختصاص من غير السياسيين بينما هو على رأسه "خيمة زرقا".
سبق وقلنا، أننا في لبنان نُمارس العيب حتى خَجِل منا العيب، وليس من حقنا وصف أحدٍ في السلطة أنه مجرم، إنما نحن رقابنا رخيصة، ولا أحد في السلطة لصّ لأن جيوبنا مُشرَّعة كما أفواهنا الفاغرة، ولا أحد في السلطة إبن حرام، لأن رزقنا سائب، وحتى لو حاولنا أن نتعلَّم الثورة من مصر، ينبت عندنا في كل موقع "تشي غيفارا"، حتى لو كان إرهابيًّا في ساحة النور، أو قاطع طريق في جل الديب، أو عاطل عن العمل وعن الأخلاق على جسر الرينغ، ومِسك الختام ليس فيه شيء من نكهة المِسك، لأننا نعيش الإعاقة بكل وجوهها واعتدنا حياة الأرصفة وقيمتنا في نظر العالم "خربشات على الهوامش"... .