أقلام الثبات
بات من الواضح ان الادارة الاميركية التي لم تكمل المئة يوم على وصول جو بايدن الى البيت الابيض، لن تكون كغيرها، في استراتيجيات تدهور الاوضاع العالمية، وتوتير المجتمعات، والتمادي في ضرب الاستقرار،ويزداد هذا النهج الذي يطبع الادارات المتعاقبة سواء للحزب الجمهوري الذي خرج الان من البيت الابيض، او الحزب الديمقراطي الذي عادعلى صهوة ترنح الديمقراطية،ولذلك يمكن فهم ابعاد الاستفزازات التي لجأ اليها جو بايدن في القضايا الساخنة عالميا، سيما اذا اخذنا بعين الاعتبار أيضا الازمات الداخلية الضاغطة، مثل التمييز العنصري، والوضع الصحي والوضع الاقتصادي المرهقين اللذين زادت جائحة كورونا طينهما بلة، إضافة الى الخلافات الحادة حول قضايا الهجرة وحمل السلاح وغيرها.
ان المراوغة في البدء بما يتعلق بالانسحاب العسكري من افغانستان والعراق وسورية، حسمت لصالح الاكثر تشددا- اي ما يسمى بالصقور- في الادارة الجديدة بحيث اعلن بايدن ان الانسحاب من افغانستان الذي كان مقررا في ايار المقبل ووفقا لاتفاق حصل نتيجة جولات لا تحصى من المفاوضات، سيحصل، لكن ليس في موعده،من دون ان يحدد موعدا لأي انسحاب او يقدم تبريرا ولو "على عينك يا تاجر"، وهذا الموقف، يعني اذا تم صرفه في السياسة، جولات عنف ودم متواصلة حتى "يقضي الله أمراً كان مفعولا".
في العراق ايضا،ورغم وجود قرار من الحكومة العراقية،مصدق من مجلس النواب، بالاستغناء عن اي تواجد اجنبي ولاسيما اميركي، فضلا عن اجماع شعبي على ضرورة انهاء الاحتلال، فقد اعلن الاميركيون وعلى السنة نافذين من الساسة والعسكر، انهم باقون في العراق ما دام هناك تهديد من "داعش"، وهذا الامر ترجمته البقاء الى ان يتم انهاء الاحتلال بالقوة، من دون قيد او شرط، لان "داعش" صنعت في الولايات المتحدة، وهو ما اعلنته جهارا هيلاري كلنتون حيث أنشئ هذا التنظيم الارهابي اثناء وجودها المؤثر في الادارة الاميركية كوزيرة للخارجية، وكان حينها بايدن نائبا للرئيس باراك اوباما .
اما في سورية حيث لا لبس، بأن القوات الاميركية، وحلفاءها الاطلسيون،هم قوات احتلال، ولا غطاء دولي لذلك،وانما عبر تنصيب انفسهم اولياء امور العالم، واللافت ان الرئيس السابق طالما حدد مواعيد لسحب القوات الاميركية من سورية، لم يتمكن من الزام القوات الغازية من تنفيذ الامر، ليأت الرئيس الجديد وعبر وزير خارجيته كما وزير حربه ليعلن ان القوات الاميركية باقية بذريعة محاربة "داعش" وان - الارض السورية واسعة - ما يعني ان الحروب الاميركية مستمرة، وبفجور، اين منه فجور ترامب في تشليح دول الخليج اموالا طائلة .
هذه الحقائق اذا اضفنا اليها التصريحات المتصاعدة استفزازا من جانب قيادة حلف الناتو اتجاه الصين وروسيا، وسباق التسلح الذي تسعى إليه دول الحلف وفي المقدمة الولايات المتحدة وبريطانيا، وبعض الدول الاوروبية، تؤشر الى ما هو قادم على العالم، من محاولات متجددة للسيطرة والاستعمار والسطو على الثروات، وهو في الوقت نفسه يقدم الدليل على أن الولايات المتحدة الأمريكية لا يديرها رجل واحد، وبالاخص الرئيس، بل تديرها إستراتيجيات تضعها نخب النفوذ،التي تمثل جشع ووحشية مصالح رؤوس الأموال والمؤسسات الضخمة العابرة للقارات، وشركات انتاج السلاح والنفط بالاخص،والتي يخدمها فريق الإدارة الأمريكية، وهذا الامر لا تستثنى منه إدارة بايدن،التي كسابقاتها ترفض فكرة المشاركة عبر رفضها حقيقة ان العالم لن يكون بقطبية واحدة، وحقيقة ان العالم اصبح فعلا متعدد الاقطاب، وليس حتى ثنائية الاقطاب.
ان هستيريا الهيمنة هي التي تحكم العقل الاميركي بمواكبة هستيريا تضليل عالمي تقودها إدارة إعلامية واسعة الخبرة في عمليات الكذب، وسيناريوهات الاتهام، وترويجها على انها حقائق، ما يجعل الادارة السياسية رهينة تنفيذية لعقلية الشر، التي تترجم تصعيدا اميركيا متناميا ضد روسيا والصين، جرت اليه بريطانيا بتصنيف روسيا عدوا على المستوى العقائدي، في الوقت الذي تعمل بريطانيا ايضا على تحديث قواتها العسكرية النوعية.
ما يؤشر على الاستعداد للمواجهة، لا الحوار كما هو مطلوب، ما قاله وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلنكن، إن "التعاون بين الحلفاء أكثر أهمية من أي وقت في التاريخ الحديث، وإن العلاقات مع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي ستكون حاسمة للتغلب على التحديات"، وهذه التحديات تتعلق بروسيا والصين وكذلك ايران، ليزيد الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبيرغ، "إن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي لن يستطيعا على انفراد التعامل مع التحديات التي تشكلها روسيا، لذا يتعين عليهما العمل معا".
اذاً، هناك محاولة إعادة إحياء لحلف يواجه روسيا والصين، ربما لن يكون عبر حروب وطنية واقليمية فقط،وانما الاستعداد لحرب عالمية جديدة، وقد عزز ذلك الرئيس الأمريكي جو بايدن، للمجلس الأوروبي، إنه يعتزم العمل مع الاتحاد الأوروبي، في مجال كيفية التعامل مع روسيا الصين، وكذلك في مجال بعض القضايا الإقليمية الأخرى،وأنه يجب مواصلة النقاش بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حول تركيا، وجنوب القوقاز وشرق أوروبا، وغرب البلقان.
من الراسخ أن الولايات المتحدة الأمريكية ستقوم في الفترة المقبلة بضغوط على الدول العربية لإلزامها بالانضمام إلى عزل روسيا.ولذلك سوف تتلقى الدول الضعيفة والصغيرة ببساطة أمراً تنفيذيا من واشنطن، وإلا ستواجه حكوماتها عقوبات قاتلة أو انقلابات مدبّرة من قبل واشنطن، وكل من يتمنع لضرورات وطنية ستلجأ واشنطن الى حبك مؤامرات، تؤدي إلى تأليب الشارع العربي ضد روسيا، وربما تكون مصر الساحة الأرحب، باعتبار الخصوصية التي تربطها بروسيا، وليس بعيدا ان يكون اقفال قناة السويس بجنوح السفينة العملاقة احد العروض، سيما ان كل المعطيات تؤكد ان كل الظروف لا يمكن ان تؤدي الى جنوح السفينة والتسبب باقفال واحد من اهم الممرات البحرية عالميا.