أقلام الثبات
في ضوء الأزمات الضاغطة والمتراكمة، التي يزرح تحت كاهلها الشعب اللبناني، بدءاً من الحصار المالي الغربي على لبنان، الذي بدأ تطبيقه عملياً في آب 2019، يوم فرضت الإدارة الأميركية عقوبات على "جمال ترست بنك"، بتهمة التعامل مع حزب الله، ثم تظّهر هذا الحصار جلياً، عقب ما يعرف بـ "إحتجاجات 17 تشرين الأول 2019"، بذريعة رفض قرارٍ حكوميٍ، قضى بفرض 20 سنتًا يومياً (تعادل 6 دولارات لكل مشترك شهريًا) على مكالمات تطبيق واتساب وغيره من التطبيقات الذكية. ومنذ ذلك الوقت حتى الساعة، يشهد سعر صرف الدولار الأميركي إرتفاعاً تصاعدياً كبيراً غير مسبوقٍ، مقابل هبوطٍ حادٍ كبيرٍ في سعر صرف الليرة اللبنانية، أدى الى المزيد من تردي الأوضاع الإقتصادية والمعيشية والإجتماعية، كإرتفاع معدل البطالة في البلد، إثر إقفال عددٍ كبيرٍ من المؤسسات والشركات التجارية والفنادق والمطاعم وسواها، ما أدى الى خسارة عددٍ كبيرٍ من الموطفين والعمال وظائفهم وأعمالهم. بعد ذلك، حلّت أزمة إنتشار جائحة كورونا في لبنان، التي إسهمت بتعميق الأزمات المذكورة، خصوصاً بعد إضطرار الدولة الى إقفال المؤسسات والأسواق التجارية وسواها، لنحو عامٍ ويزيد. ثم جاء الطامة الكبرى، بوقوع كارثة إنفجار مرفأ في آب الفائت، التي أدوت بحياة المئات، وتدمير جزءٍ كبيرٍ من العاصمة اللبنانية. فقد حلّت كل هذه المآسي في لبنان، في وقتٍ يواجه فيه "أزمة العصر"، وهي قضية النزوح السوري الى أراضيه، التي أرهقت بدورها الخزينة اللبنانية، فقد بلغت كلفة هذه الأزمة نحو 45 مليار دولار، قامت المنظمات الدولية بتغطية نحو 8.78 والباقي على نفقة الدولة اللبنانية، كإستهلاك الطاقة الكهربائية، والبنى التحية، والسلع الإستهلاكية، ومختلف المواد المدعومة من الدولة، بحسب تأكيد مصادر رسمية.. وكان لهذه المنظمات، دور فاعل في عرقلة عودة النازحين الى ديارهم، من خلال تشجيعهم على البقاء في لبنان، رغم مساعي المجلس الأعلى اللبناني – السوري لإعادتهم في العام 2013، بناء لطلب من الحكومتين اللبنانية والسورية، وتم الإتفاق في حينه على تسمية لجنة لبنانية – سورية، تعمل على وضع خطةٍ وجدولٍ زمنيٍ لإعادة النازحين، فبادر الجانب السوري الى تسمية فريقه، أما الجانب اللبناني، فقد إعتذر عن تسمية عن ذلك، بذريعة الضغوط الدولية عليه، في عهد الرئيس ميشال سليمان، ووجود حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بحسب تأكيد مرجع معني. أضف الى ذلك، فقد قدمت دمشق، عبر وزير المصالحة الوطنية السابق علي حيدر الى لبنان، عرضاً بنقل النازحين المناوئين للحكومة الى المناطق السورية الواقعة تحت نفوذ "المعارضة المسلحة"، على غرار ما حدث مع مسلحي جرود سلسلة جبال لبنان الشرقية، يوم تم ترحليهم الى منطقة البوكمال في دير الزور في آب 2017، ولم يلق حيدر أي تجاوب. إثر ذلك سعى وزير الخارجية الأسبق جبران باسيل، الى حل أزمة النازحين، بعدما أعلن عزمه زيارة دمشق، للتفاهم مع الحكومة السورية في شأن عودة النازحين، في منتصف تشرين الأول 2019، فسيقت في وجهه حملة تشهيرٍ مضللةٍ، حاولت تحميله مسؤولية كل الأزمات التي يعانيها لبنان، منذ ما قبل العام 1990. وسط هذه الأزمات المذكورة آنفاً، وحاجة لبنان الماسة الى رئة إقتصادية يتنفس منها، وتبيّن بالدليل القاطع، أن منتفس لبنان الوحيد والمتاح في الظروف الراهنة، هي سورية، التي مدت لبنان في الأيام القليلة الفائتة، بمادة الأوكسجين، بأمر مباشر من الرئيس بشار الأسد، بعد نفاذ هذه المادة من بعض المستشفيات اللبنانية، وكاد هذا الأمر، أن يؤدي الى كارثٍة صحيةٍ، في ضوء إرتفاع أعداد المصابين بجائحة كورونا، لولا الدعم السوري، بحسب تأكيد وزارة الصحة اللبنانية. أمام هذا الواقع المعيوش، أما آن الأوان، بأن يّسلم المعنيون، بالإحتكام لواقع الجغرافيا، وولوج بداية الطريق من خلال إعادة تطوير معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين لبنان وسورية، خصوصاً الشق الاقتصادي منها، وحل أزمة النزوح؟ تجيب مصادر رسمية أن السياسية الخارجية اللبنانية منوطة بمجلس الوزراء، وأن وزارة الخارجية تطبق السياسة التي تضعها الحكومة، بالتالي فأن تطوير العلاقات القائمة اصلاً مع دمشق، يتطلب قراراً من الحكومة، وهو غير متاح راهناً، بسبب إنقسام رأي المكونات اللبنانيين، حول هذا الشأن، كذلك فأن رئيس الحكومة حسان دياب لن يقدم على إتخاذ خطوةٍ كهذه، في ضوء وجود هذا الإنقسام، ودائماً بحسب تأكيد المصادر الرسمية عينها. أمام هذا الواقع، إرتأت الحكومة اللبنانية تكليف وزير الشؤون الإجتماعية رمزي المشرفية، بالإشراف على تطبيق خطة إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، التي أقرتھا قبل استقالتھا في تموز 2020 ، والتواصل مع السلطات السورية المعنية، لحسن تطبيقها.
ولهذه الغاية زار المشرفية دمشق على رأس وفدٍ من فريق عمله في الوزارة، في الأسابيع القليلة الفائتة، وكان قبلها زار العاصمة السورية لمرتين سابقتين، في آذار وتشرين الثاني من العام 2020 للغاية عينها، بعد إلغاء وزارة شؤون النازحين. والتقى المشرفية عدد من الوزراء السوريين المعنيين بشأن عودة النازحين، للبحث في شأن تفعيل خطة العودة المرجوة، فأكدوا استعدادھم الكامل تسھیل العودة المرتجاة من دون أي شروطٍ مسبقة، حتى في شأن المشكلة الأعقد، التي تعوق عودة عدد كبير من النازحين الشباب، وهي تخلفهم عن خدمة العلم في بلادهم، كونها مسألة دستورية، فأبدى الجانب السوري تجاوباً لحل هذه الأزمة، من خلال تسهيل الإعفاء من الخدمة مقابل بدل مالي، بحسب تأكيد مصادر رسمية ومعنيّة. ولفتت الى أن السلطات السورية في صدد تأھیل بعض المناطق غير الصالحة للسكن راهناً، كي یتمكن النازحون من العودة الى دیارھم. على أن يقوم الجانب اللبناني بإحصاء النازحین، والمناطق السورية التي تزحوا منها في الأصل، ليصار بعد ذلك الى تحدید مناطق العودة، وتأھیل البنى التحتیة فیھا، لتأمين عودة منظمة لهم، كون الجانب السوري يرفض العودة في شكلٍ عشوائيٍ.
ومن بین التسھیلات التي عرض الجانب السوري تقديمها لتسهيل العودة تحمل كلفة فحص ال PCR لتشخيص المصابين بجائحة كورونا، بالإضافة الى إلغاء تصريف مبلغ تعرفة 100 دولار أميركي بالليرة السورية، على المعابر الحدودية للنازحين الراغبين في العودة، كذلك شمّلهم بقانون العفو العام . ولكن بالنسبة للادعاءات القضائية الخاصة، فالتسھیل یقتضي بتخییر النازح الراغب بالعودة إذا كان یرید أن یدخل الى سوریة، والقيام بتسویة أوضاعه لدى السلطات القضائية، أم تترك له حریة حق العودة الى لبنان، اذا كان لا يرغب بتسوية أوضاعه.
أما في شأن ربط مسألة عودة النازحين، بتطوير العلاقة بين الحكومتين اللبنانية والسورية، تجزم المصادر عينها عدم طرح الجانب السوري هذا الشرط على الإطلاق. وتختم بالقول : "الخطة راهناً على السكة الصحیحة، وبالتالي یجب العمل على حسن تطبيقها".