مسرحيات المفسدين ـ عدنان الساحلي

الجمعة 26 آذار , 2021 01:04 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

كلما شعرت منظومة الفساد المتحكمة برقاب اللبنانيين وعمادها تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف، أن رعيتها المستضعفة والخانعة على شفير صحوة ما، قد تشكل خطراً على مصالحها وعلى تسلطها على البلاد والعباد؛ وعلى سطوها على خيرات الوطن وعرق الناس وتعبها، تراها تعمد إلى مسرحية تناتش طائفي حول الصلاحيات وحول الأدوار والوظائف والمناصب. في حين لا يرف لرموزها جفن أمام مشاهد الجوع والفقر الذي بدأ يضرب السواد الأعظم من اللبنانيين.
هذا هو باختصار ما نشهده هذه الأيام والهدف منه شد العصب الطائفي لهذا المتزعم أو ذاك، الذي كلما شعر تراجعاً في شعبيته، أو ضموراً في دوره وتأثيره، عمد إلى مثل هذا التوتير الطائفي، مصحوباً بتحريض ظاهر ومضمر، يعود بعده هذا المتآمر على البلد والناس حامياً لحمى الطائفة؛ وسيفاً مسلطاً على أعدائها. وهؤلاء في الواقع هم شركائه وحلفائه في إدارة الوطن-المزرعة؛ وسرقة خيراتها وإنتاجها واستعباد واستهبال مواطنيها.  
هكذا فعلت "الترويكا" سيئة الذكر في تسعينيات القرن الماضي، فتحول رموزها من ودائع للخارج صورتهم مهزوزة في بيئاتهم، إلى زعماء أوائل لها. وهكذا يفعل كل أصحاب الطروحات الطائفية والمتنازعين على الصلاحيات هذه الأيام.
فشلت لعبة سعد الحريري العام الماضي، بقيادة ما سمي "الثورة ضد الفساد"، للوصول إلى التفرد بالسلطة وتشكيل حكومة مستشارين، يختارهم بما يرضي صندوق النقد الدولي والسفارة الأميركية. ويكونون مطواعين في تلبية المطالب الأميركية و"الإسرائيلية" من لبنان. وها هو يكرر اللعبة بحكومة المهمة، التي يدعي أنها ستخرج زير لبنان من البئر الذي رمته فيه سياساته المالية وسياسات كامل الطاقم الحريري، منذ أن سقط "بالبراشوت" الأميركي-السعودي على الحكم اللبناني، في أوائل تسعينيات القرن الماضي. وهذه اللعبة ثبت نجاحها في شد العصب الطائفي ولملمة الجمهور الذي أبعدته همومه الحياتية عن "الزعيم". فيعود صاغراً بعد صدور النداء الطائفي. وهذا الأمر لا يختص بطائفة واحدة، أو بجمهور زعيم لوحده، بل هو  مرض لبناني عام وعضال.
وكما إنكشف زيف شعارات مختلف الأطراف الأخرى، الحليفة للحريري أو المناوئة له، التي باعت خطاباتها في سوق الصفقات والصلاحيات الطائفية، انكشف زيف بعض الذين إنقسموا بين محوري 8 و14 آذار، فقط ليغشوا اللبنانيين ويقسموهم فيسهل عليهم سوقهم كالقطعان. وها هي التحالفات في الكباش الجاري حول الفساد وسرقة أموال الخزينة والمودعين في المصارف، تتخطى هذا الانقسام المزعوم، لتكشف أن الفاسدين في حلف واحد، بغض النظر عن الشعارات "الاستراتيجية" التي يلهون بها الناس ويخادعونهم. 
لم يعد بإمكان اللبنانيين إستثناء أحد من أهل السلطة، من تهمة الفساد والتواطؤ مع العقوبات الأميركية بحق لبنان، إلا المقاومة المستهدفة بهذه العقوبات؛ وهي التي لم تهدأ يومًا عن تقديم التضحيات والدماء والأرواح، دفاعاً عن الأرض والشعب، في وجه الغزو الصهيوني المدعوم أميركياً وغربياً وعربياً. وفي وجه المتصهينين من التكفيريين، الذين قدموا ويقدمون أخطر الخدمات لمشروعي الإحتلال الصهيوني والهيمنة الغربية.
من شروط التمثيليات الممجوجة لزعماء الطوائف، أن تخرج مرجعيات أخرى مقابلة لهم ترفض أو تنتقد طروحاتهم، أو تحاول الإنتقاص من صلاحياتهم، فتصطنع خلافاً متجدداً في الرأي العام، تأخذه به بعيداً عن همومه ومطالبه الحياتية والاجتماعية الملحة، فتنسيه ولو مؤقتاً أوجاعه وفقره وضيق ذات يده، في سجال طائفي هدفه التضليل ليس إلا، لصالح خلافات ومناوشات وجدت منذ أن وجد لبنان. وهي تتكرر هذه الأيام وكلما احتاجها الحاكمون، لإبقاء اللبنانيين مجرد قطعان طائفية تقودها مرجعياتها، بما يخدم مصالح النظام الذي ينتج تلك المرجعيات وتقوم هي بحراسته من كل خطر يتهدده.
والأخطر في هذه المسرحيات، أنها سبق أن أوصلت لبنان واللبنانيين إلى التقاتل في حروب أهلية دفعوا أثمانها من دمائهم وأرواحهم وأموالهم. وسرعان ما عاد بعدها زعماء الطوائف أنفسهم، حلفاء وأحبابا وشركاء في نهب البلاد وسرقة أرزاق العباد. فهل يفطن اللبنانيون إلى خطورة ما يفعل بهم على أيدي زعمائهم، خصوصاً أن الأمر لا يقتصر على المال والأرزاق، بل هو يطال ابناءهم الذين تحتويهم الغربة وتحتضنهم الهجرة، فهل هناك شعب واع ومدرك يضحي بكل ما يملك إكراما لسارقيه وقاتليه ومهجري أبنائه؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل