أقلام الثبات
بكل بساطة وبأسلوبٍ كيديّ، علَّق النائب السابق مصطفى علوش على تعثُّر ولادة الحكومة يوم الإثنين الفائت، بأن الرئيس سعد الحريري لن يعتذر وليستقِل مَن ينتظر ذلك، ولهذه الدرجة من الإستخفاف بلغت الأمور، ما دام الدستور لا يُلزِم الرئيس المُكلَّف بفترة زمنية للتأليف، وطائرة الحريري ما تكاد تُطفىء محركات الهبوط في مطار بيروت إلا وتدور مجدداً للإقلاع، في لعبةٍ مكشوفة لتقطيع الوقت، لا بل استقطاع مُتعمَّد من ولاية رئيس جمهورية، ممنوعٌ عليه أن يحكُم منذ اليوم الأول لوصوله الى بعبدا.
لا حاجة لتكرار الدوافع لدى خصوم ميشال عون لمنعه من الحُكم، خصوصاً أن هذا الرئيس، أعلن حربه على الفساد وأسلحتها تُطلِق الى الخلف، لأسباب خارجية - دولية وإقليمية - تستهدفه كحليف للمقاومة، ولأسباب داخلية طائفية وزبائنية، لسياسيين فاسدين هُم شركاء معه في الحُكم، وكل مرافق الدولة مغاور لهم ولشبكة أزلامهم.
إستنزاف ولاية الرئيس عون، مسألة يتحمَّل جزءاً من مسؤوليتها أولئك الموالين للعهد قبل المعارضين، لأن إسم الرئيس سعد الحريري يُستخدم حالياً كما القدر المكتوب على العهد، وسواء شكَّل الحريري حكومة أو بقي مُكلَّفاً "الى الأبد"، وهذا ليس مُستغرباً، فإن الحسابات المذهبية المقيتة قي لبنان لم تسمح لسواه بالإستقرار في السراي، وهو الوحيد ربما "سُنِّي بسمنة"، ومَن كان كالرئيس حسان دياب "سُنِّي بزيت"،غير مسموح له حتى بتفعيل حكومته، ودياب ليس مُقيَّداً فقط بالدستور، بل بالأعراف التي ثبَّتت إرث آل الحريري في السراي، حتى لو أُحرِقت على مذبح سلطتهم أسماء الصفدي والخطيب وأديب، وسائر الشخصيات السُنِّية ذات التاريخ على مستوى بيروت ولبنان، والساحة مفتوحة فقط لسعد الحريري من دون سواه، ليكون العصا في عجلة العهد، لا بل أن تكليفه بعد استقالة دياب، هو كما المادة المدعومة من جميع الخصوم، لتهريب كل دقيقة من مُدة ولاية العهد، تماماً كما السِلعة المعيشية المدعومة التي تُهرَّب الى الخارج أمام أعيُن اللبنانيين!
نختصر، لأن في الإطالة "ثقالة"، ونُذكِّر بتوصية السيد سمير جعجع للسعودية عام 2017، قبل أيام من ليلة القبض على الحريري وتقديم استقالته من الرياض، أنه ليس الرجل المناسب في السراي لمواجهة حزب الله، ولأن الحريري لا يستطيع الآن أيضاً السير بحكومة دون رضا حزب الله وبالتالي الثنائي الشيعي، يلجأ مع خصوم العهد الى استغلال تفكُّك الفريق المسيحي لعرقلة التشكيل، ويبتدع ربما مسألة رفض الثلث المُعطِّل غير المطروح أصلاً، ويؤيده في ذلك كل حاقدٍ على حزب الله من دُعاة أمن المجتمع المسيحي.
وإننا إذ نستأذن مجموعة المستشارين في قصر بعبدا، وبعض نواب التيار الوطني الحر، المشغولين بِمَن سيخلِف الرئيس بعد انتهاء ولايته، نقول: لا شيء يردع اللاعبين في مصير الشعب اللبناني الذي بدأ يأكل لحمه من الجوع، سوى القنوات الدستورية، للضغط باتجاه تشكيل الحكومة ومنع إفراغ العهد من مضامين الإنجازات، وللأسف، لم يعُد هناك من سبيل سوى ما طرحه منذ أيام نائب رئيس المجلس النيابي إيلي فرزلي، بإعادة كُرة التكليف الى مجلس النواب عبر كتاب يوجهه فخامة رئيس الجمهورية، يتضمن حيثيات الوضع المُزري للشعب اللبناني ويُحمِّل هذا المجلس مسؤوليته- وبشكلٍ خاص- الكُتل التي سمَّت الحريري في الإستشارات المُلزِمَة، لإعادة النظر بالتسمية على ضوء الكارثة الإقتصادية الحاصلة، وخلاف ذلك سيبقى المُكلَّف سعد الحريري "مُكلَّفاً" بالعرقلة حتى نهاية العهد ... .