أقلام الثبات
لم تنجح الإدارة الاميركية الجديدة برئاسة جو بايدن من إعادة انتاج صورة للولايات المتحدة تعكس توجهات معلنة بوقف الحرب على اليمن، فليس هاماً تعيين موفد خاص، أو عرض اقتراحات لاظهار النوايا، انما الاهم المضامين، واذا كانت متناسبة، او تناسب الضحية، او المعتدى عليه وعلى بلاده.
ان الإدارة الأميركية، منذ عهد الرئيس الديمقراطي باراك أوباما (2009 – 2017) تعرضت لانتقادات ساخنة احيانا بسبب الحرب في اليمن من قِبل المنظمات الحقوقية الإنسانية،لا بل التشجيع على الحرب وادارة العمليات الجوية، وهذا ليس من اسرار الحرب، إنما من الاسباب التي دفعت واشنطن إلى إعلان وقف دعمها للسعودية في الحرب، ليتبين لاحقا انه كلام يشبه اعلانات واشنطن عن مكافحة الارهاب فيما الوقائع تدل على انها المنتج الاول للمنظمات الارهابية ،وبقائها على قيد الحياة.
لقد سعت ادارة البيت الابيض الى احتواء التقدم المهم الذي حققه الجيش اليمني واللجان الشعبية على جبهات عدة، لاسيما على جبهة مآرب الغنية بالنفط، فطرحت عبر المبعوث الأميركي تيموثي ليندركينغ خطة لوقف الحرب في اليمن ومبادئ الإعلان المشترك،وهي ليست اكثر من عملية لوقف اطلاق النار، وهي الخطة التي رحّبت بها حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي التابعة للسعودية التي تراجعت قواتها امام تقدم انصار الله .وتنص وثيقة المبادئ على وقف شامل لإطلاق نار، ومن ضمنه وقف الغارات السعودية والطائرات المسيرة الحوثية، وتتضمن أيضا فتح مطار صنعاء والسماح لإمدادات الوقود بالدخول من ميناء الحديدة وعودة المشاورات.
هذا الامر يعني ببساطة وقف التقدم على الارض لاعادة ترتيب وتنظيم القوات واستعادة الدعم المربك من الاوروبيين من جهة،وسعي واشنطن إلى احتواء القوى الرافضة، والمواجهة للحرب على اليمن من جهة ثانية، عبر وهم تعيد الولايات المتحدة انتاجه،لزرع الشقاق ،دون ان تدري، او انها تدري ولكنها تعتقد ان الشعب اليمني يمكن ان يساوم على كرامته في ظل الحصار والتجويع بحيث ان منظمات الامم المتحدة ،تعلن تكرارا ان اليمن يتعرض لاسوأ كارثة انسانية في التاريخ الحديث بسبب الحرب .
ثمة تفصيل بسيط هنا،لم تدركه واشنطن، وهو ان الكرامة الوطنية فوق اي اعتبار اخر لدى الشعب اليمني، فلا القتل ولا التجويع والحصار، يمكن ان يليين الشكيمة اليمنية، ولذلك كان الجواب اليمني واضحا، ليس هكذا تورد الابل، وقال القيادي السياسي محمد عبد السلام إن المقترح الأميركي "لم يحمل جديدا"، وإنه "يمثل الرؤية السعودية والأممية"،و أن المقترح الأميركي "مجرد التفافات شكلية تؤدي إلى عودة الحصار"، و"مجرد مؤامرة لوضع اليمن في مرحلة أخطر مما هو فيها الآن".
ببساطة، فشل واشنطن في نيل رضى الحفاة، انعكس في تصعيد ميداني اذ اعلنت السعودية باسم تحالف العدوان، "بدء تنفيذ عملية عسكرية نوعية بضربات جوية موجعة ضد المليشيا الحوثية الإرهابية"، مشيرا إلى أن العملية "تستهدف القدرات الحوثية" في صنعاء وعدد من المحافظات".فيما كان المدنيون ومنشآتهم هم ضحايا العدوان.
الجواب اليمني لم يتأخر ،فجرى تنفيذ عملية هجومية واسعة بـ 14 طائرة مسيرة و8 صواريخ باليستية، على أهداف اقتصادية وعسكرية في السعودية. وقال العميد يحيى سريع، الناطق العسكري: "إن العملية استهدفت شركة ارامكو في ميناء رأس تنورة وأهدافاً عسكريةً أخرى بمنطقة الدمام في عملية توازن الردع السادسة".في وقت كان التقدم على جبهات مأرب يسير وفق العمليات المخططة.
لقد الحق اليمنيون بقدراتهم المطورة في الميدان، وفي ظل عار لحق ليس فقط بجيوش التحالف، وانما ايضا بكفاءة السلاح الغربي ولاسيما الطيران الاميركي ومنظومات باتريوت والمدفعية على اختلافها ،بحيث تخترق الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة المنتجة يمنيا، كل المنظومات، وتصل الى اهدافها، مثلما حصل في الضربة الاخيرة لمنشآت ارامكو في العاصمة السعودية - الرياض حيث لم تتمكن سلطات ال سعود من اخفاء ذلك بعد انتشار الصور التي تظهر المنشأت والنيران تأكلها.
بدا ان استهداف ارامكو، اكان في راس تنورة، او الرياض، او اي بقعة اخرى، هو الاكثر ايلاما، ليس للسعودية وحسب، وانما لكل شهود الزور في العالم ،الذين لم يحركهم قتل الشعب اليمني، وحصاره على مدى ست سنوات، بل تحركوا واصدروا بيانات تدين استهداف النفط، بدل اللجؤ الى ارغام السعودية وحلفها الشيطاني على وقف الحرب ورفع الحصار .
ان الخطوة الاولى المطلوبة لوقف المناورة الاميركية تكون بسحب الولايات المتحدة جنرالاتها الذين يديرون المعركة في مآرب،وهذا اول اختبار عملي لنوايا واشنطن المعلنة ،اذا كانت تريد وقف الحرب، يليها فورا الطلب من السعودية إعلان وقف الحرب ورفع الحصار الفوري عن الشعب اليمني، والا فان تحرير مآرب بات اقرب من الرمش الى العين، ويدرك الاميركيون ان ذلك يطلق يد اليمنيين في موقفهم التفاوضي، ويمنحهم منابع النفط قبل أي تسوية سياسية.عندها لن ينفع اميركا ولا السعودية وتحالفها الاجرامي اي تبرير بمواجهة مسيرة التحرير، ولو كان الرهان السعودي معقودا على اسرائيل التي قال رئيس وزرائها مخاطبا جمهوره الانتخابي، اذا فزت في الانتخابات وشكلت حكومة : "سأؤمن لكم رحلات جوية مباشرة من تل أبيب إلى مكة!".مع ما يعني ذلك من تدنيس لقبلة المسلمين.
لقد افشل اليمنيون طوال ست سنوات مرامي الحرب عليهم، فيما استخدمت السعودية اموال النفط في شراء السلاح والمواقف الدولية على اختلافها، بما فيها اسرائيل التي تشترك معها في كل الموبقات والمصالح، واليوم يمكن ان يقول اليمنيون بكل فخر، ان النصر آت،والصورة سيشهد العالم كله عليها .