تيار "المكرمات" ـ عدنان الساحلي

الجمعة 19 آذار , 2021 10:37 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لم يكن ينقص لبنان إلا أن يكشف أحد مسؤولي "تيار المستقبل" الحريري السعودي الولاء، أن هواجس تياره، تقول بأن أي فوضى قد تحدث في لبنان، "قد تستدعي تدخلا تركياً".
هي ليست زلة لسان، بل تصريح سياسي هادىء، ينفذ فيه صاحبه مهمة توجيه رسائل باتجاهات عذة، للداخل والخارج، بأن سعد الحريري مستعد لنقل البندقية من الكتف السعودي إلى الكتف التركي، مع ما يعنيه ذلك من تهافت لكل خطابه "العربي"، بما فيه مزايدته في الدعوة للإنتماء للنظام العربي، أو ما يسمى وحدة الصف العربي، التي لم تضعها السعودية ومن يواليها يوماً في حسابهم، منذ عشرات السنين، عندما ناوأوا جمال عبد الناصر وكل القادة والسياسيين العرب، الذين عادتهم الولايات المتحدة، لآنهم تمسكوا بعدالة القضية الفلسطينية وبلا شرعية الكيان الصهيوني الذي إغتصبها وشرد أهلها؛ وما يزال يمارس عدوانيته بحق شعبها ويستهدف كل من يدعم نضال الشعب الفسطيني ويقف إلى جانبه. وكذلك لآنهم رفضوا التبعية والذيلية تجاه قوى الهيمنة  العالمية. 
غاب عن ذهن هذا المسؤول "المستقبلي" معاناة لبنان من وصاية المملكة السعودية على "قائده" سعد الحريري، ليس فقط لإهانته المعروفة وسجنه في المملكة، بل كذلك لعجزه عن تشكيل حكومة في لبنان، لأن حكام المملكة يرفضون أن يكون سعد، المعاقب من الرجل القوي في المملكة محمد بن سلمان، رئيساً لحكومة لبنان. ويضعون شروطاً يعجز سعد عن تلبيتها والإلتزام بها. مما يجعله يختلق مشاكل مع الأطراف المعنية معه بتشكيل الحكومة. فالمملكة بداية لا ترضى بوجود أي صوت ينتقدها في لبنان، خصوصاً إذا كان هذا النقد يعترض على العلاقات الخاصة والواسعة، التي تربط حكام المملكة بقادة كيان العدو الصهيوني . أو يرفع الصوت في وجه عمليات القتل الهمجية والوحشية التي تنفذها المملكة وحلفاؤها بحق الشعب اليمني المظلوم. أو يستهجن قيام حكام المملكة بدفع مئات مليارات الدولارات، ثمنا لحماية أميركا لهم ولنظام حكمهم. أو يتضامن مع ضحايا القمع الممنهج، الممارس هناك بحق كل مخالف أو معارض للعائلة المتسلطة على شعب الجزيرة العربية.
وتمارس المملكة في لبنان نفوذا مستفزاً، يتصرف بعقلية الوصاية والإستعلاء على لبنان واللبنانيين، الذين لم ينسوا قيام "صحافيين" سعوديين بالتهجم على المسؤولين اللبنانيين، من على شاشة فضائية لبنان، من دون أن يجرؤ أحد على محاسبتهم، أو محاسبة الفضائية التي فضلت حصولها على المال السعودي، على حسها الوطني وتحولت إلى منصة لشتم اللبنانيين، من قبل أشخاص هم آخر من يحق لهم الحديث عن الحريات أو عن حسن سلوك الحكام. فبلادهم تشكو بالكامل من غياب الحريات؛ وجريمة تقطيع جثة الصحافي السعودي جمال الخاشقجي، هي حدث في سياق تاريخي متواصل. وهي نموذج لتصرفات حكامهم مع من يعارضهم أو يخالفهم الرأي. في حين يعلو صوت المملكة وأتباعها، بالشكوى من قيام صحافي لبناني بانتقاد السياسة السعودية المعتمدة تجاه لبنان. فمن المحظور القول أن سلطة الوصاية على لبنان بعد إتفاق الطائف، كانت سورية- سعودية وليست سورية فقط. سورية من خلال وجود الجيش العربي السوري في لبنان؛ وسعودية من خلال ممثلها وحامل جنسيتها رفيق الحريري. لذا صدرت التهديدات بترحيل اللبنانيين العاملين في المملكة. وأجبر هؤلاء على إصدار بيانات إستنكروا فيها مواقف مواطنيهم وتملقوا حكام المملكة وأشادوا بهم. 
حتى الدعم السعودي للجماعات التكفيرية، التي جربت غزو لبنان ونفذت تفجيرات وأعمال قتل بحق اللبنانيين وجيشهم، ممنوع إنتقاده. بل على العكس من ذلك، يتم التهجم على المقاومة التي تصدت لتلك الجماعات المصنعة في معامل المخابرات الأميركية. ومن أطلق اللبنانيون عليه إسم "أمير الكبتاغون" وهو أمير سعودي ضبط في لبنان عندما كان يحاول تهريب مئات الكيلوغرامات من المخدرات. إستعمل حكام المملكة نفوذهم لإطلاق سراحه، قبل أن يكمل مدة سجنه. ومن دون أن يدفع حتى الغرامات المالية المفروضة عليه وهي بمئات ملايين الليرات اللبنانية. 
كل هذه الممارسات السعودية وهي غيض من فيض جرائمها في لبنان والمنطقة، كان "تيار المستقبل" يسميها "مكرمات". واليوم بعدما إستنفذ سعد الحريري الرضى السعودي عنه، يريد الإنتقال إلى "مكرمات" تركية، قد يكون السلطان الجديد رجب أردوغان وعده بها، لذا بدأ المستقبليون في الشمال بتشجيع مناخ "عثماني اردوغاني" هناك، لعله يثير غيرة المملكة فتعود إلى دعم التيار الحريري. لكن التدخل التركي في الشمال اللبناني، هو تلويح بالإستقواء بغريب آخر جديد؛ و"بأم حنون" تذكرنا بفرنسا ووصايتها من خلال أطراف لبنانية أخرى، لم تخجل من دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "إلى إستعمارنا" مجدداً. كل ذلك يصب في خدمة المساعي لإشعال حرب أهلية، تسعى الولايات المتحدة والسعودية و"إسرائيل" منذ سنوات لإفتعالها، لإجبار لبنان تحت ضغط النار والإفقار والتجويع، على الخضوع للإملاءات الأميركية والمطامع "الإسرائيلية"، في أرضه ومياهه وثروته المكتشفة من النفط والغاز. وكذلك على قبول توطين اللآجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، للتخلص من عبء القضية الفلسطينية ومواصلة الحرب على سورية. ثم يأت سعد الحريري ليفرض نفسه منقذا للبنان من أزماته. ويريد حكومة تنصبه سلطانا على لبنان مطلق الصلاحية. وهذا هو طريق خراب لبنان، على أيدي تيار قاصر لا يستطيع زعيمه العيش إلا على "مكرمات" الخارج.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل