أقلام الثبات
طار الحريري ..غطّ الحريري، وبات سفر الرجُل الذي يسكن طائرة، جزءاً من المشهدية العامة للوضع اللبناني، وكثيرة هي الوقائع التي نشرتها ويكيليكيس سابقاً، أنه ليس بالضرورة عند الإعلان عن زيارة رسمية أو خاصة تقوم بها شخصية سياسية، أن تُدرج ضمن خانة زيارة دولة، ويُمكن أن تكون الزيارة خاصة ولمصالح خاصة وأن يكون البيان الختامي لأي لقاء، مجموعة كلمات مرصوفة مُسبقاً، تؤكد على عمق العلاقات بين البلدين والقضايا ذات الإهتمام المُشترك، ودمج الخاص بالعام ليس غريباً عن آل الحريري، لأن المرحوم رفيق الحريري كان رجُل الصفقات وملِك استغلال السُلطة لتنمية الثروة الخاصة.
الخطير في تكرار الحريري زيارة الإمارات بدلاً من السعودية، أن محمد بن زايد هو الذي يُدير فاقد الحيلة محمد بن سلمان، كما يؤكد الإعلامي الفلسطيني المُقيم في الولايات المتحدة أسامة فوزي، الذي عمِل لسنوات مسشاراً للمرحوم الشيخ زايد، وهو خبير في طريقة إدارة "عيال زايد" للسياسة الإقليمية، ويلاقيه في نفس الطريق المُعارض السعودي المُقيم في لندن الدكنور سعد الفقيه، الذي ينتقد ضعف محمد بن سلمان تجاه بن زايد، ويسرُد مواقف العائلة المالكة من ولي عهد مُتهوِّر وساذج، تخشىى هيئة البيعة أن يُطيح بمجد آل سعود إذا وصل الى العرش.
وللتأكيد على سطوة محمد بن زايد على محمد بن سلمان في الملف اللبناني، أن سعد الحريري عندما اعتُقل في السعودية واستُقيل من هناك، أجبِر على السفر الى الإمارات للإعتذار من محمد بن زايد، ضمن سياق عفو محمد بن سلمان عنه، لأنه كان هناك خلاف مالي واستثماري بين بن زايد والحريري، إضافة الى عدم رضا سعودي على أداء الحريري كرئيس حكومة في معركة المواجهة مع حزب الله، وهذا ما أوصله سمير جعجع الى محمد بن سلمان، خلال زيارة جعجع الى السعودية قبل "إلقاء القبض" على الحريري، وكل هذه الأمور كانت موجودة في البحصة الشهيرة التي لم يجرؤ الحريري على بقِّها لغاية الآن، ولو أنها تجلَّت في سوء العلاقة بين بيت الوسط ومعراب.
المسألة الثانية في الإستدعاء الإماراتي للحريري، أنه حاول بعد قِمَّة العُلا السعودية التي أنتجت مصالحة بين قطر والسعوية بمسعى كويتي، أن الحريري دخل على خطّ الوساطة بين قطر وتركيا وهما محور الأخوان المسلمين، وهذا ما يتناقض مع العداء الذي تكنَّه الإمارات لجماعة الأخوان، وكان سبباً لمقاطعة محمد بن زايد لقِمَّة العلا كي لا يلتقي بأمير فطر تميم بن حمد.
لبنانياً، الثابت المفروض على سعد الحريري، أنه ممنوع عليه خليجياً أن يُشكِّل حكومة تضمُّ حزب الله، وهو كما قال جعجع ليس الشخص المُناسب لمواجهة الحزب، ومع قدوم بايدن الى البيت الأبيض وانتهاجه سياسة بعيدة عن نهج ترامب، ومع الدور الإقليمي البارز لحزب الله، الذي أوصل الأمور الى زيارة إيجابية قام بها وفد الحزب الى موسكو، ضمن سياق مشاورات التسوية القائمة حالياً للملف النووي الإيراني ووقف العدوان على سورية واليمن، يجد الحريري نفسه أداة إقليمية ووسيطاً تُملى عليه الشروط لتشكيل حكومة، ولن يستطيع التشكيل عبر استبعاد حزب الله والشريحة الشعبية التي يُمثِّلها الحزب، وعليه الإنتباه أن لا تصطدم طائرته مع الطائرة الني تحمل وفد حزب الله، لأن الحريري مهما طار أو غطَّ، فإن طائرته ليست أكثر من هيكل هشّ وأجنحة مُتكسِّرة ... .