السعودية في مهب الريح .. إلا إذا ! ـ يونس عودة

الثلاثاء 16 آذار , 2021 08:04 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يشهد العالم تغييرا على ايقاع متسارع وربما باتجاه منعطفات سيكون بعضها حادا الى كسر ظهر حليف لحليف، وسيكون بعضها محددا لعلاقات مستقبلية غير تلك التي قامت على مدى اجيال، ولن تكون الولاءات السياسية، للدول الكبرى، وحدها التي ستحدد المسارات، او اعادة ضبط وتنظيم العلاقات الا مرحلية بما يخدم التوجهات الكبرى، او الاستراتيجيات  .
 يحضر في هذا المجال، الحديث المتنامي عن الدور المطلوب من السعودية في خدمة سياسات الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن بعد ان فرض فوز الديمقراطيين تغير شكل العلاقة  بين واشنطن والرياض كما كان متوقعا، نظرا للاختلاف الكبير في سياسات بايدن وتوجهاته عن سلفه دونالد ترامب.
ليست قضية تقطيع اوصال الصحافي - رجل الاستخبارات السعودية السابق -جمال خاشقجي هي نقطة الخلاف المركزية بين واشنطن والحكم السعودي القائم حاليا، والدليل ان ادارة بايدن التي رفعت سيفها وقالت ان المتورطين وفق تقريرالمخابرات الاميركية، بمن فيهم ولي العهد محمد بن سلمان، لن ينجوا بفعلتهم، وسوف يحاسبون، اعادت هيكلة خطواتها لان" المصالح الاميركية بما فيها الامن القومي الاميركي لها الاولوية"، لا بل ان  بايدن رأى أن ثمن معاقبة ولي العهد السعودي بشكل مباشر، سيكون "باهظا للغاية"
وهذا التراجع اطلق اصوات استهجان في الكونغرس، لان في الامر ضياع صدقية من اول الطريق، ما دفع النائبة عن ولاية مينسيوتا إلهان عمر للاعلان:  "إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تدعم حقا حرية التعبير والديمقراطية وحقوق الإنسان، فليس هناك سبب لعدم معاقبة محمد بن سلمان وهو رجل وجدت مخابراتنا أنه وافق على مقتل خاشقجي" لتقول: "هذا اختبار لإنسانيتنا". ولذلك تقدم مشرعون امام مجلس النواب باقتراح  قدمه العضو الديمقراطي في مجلس النواب توم مالينوويسكي مع اثنين من الأعضاء الديمقراطيين، جوهره أن يتم منع ابن سلمان من دخول الولايات المتحدة، لدوره في قتل خاشقجي، إضافة إلى حظر سفر جميع الأشخاص المذكورين في تقرير الاستخبارات الأميركية. وينص مشروع القانون على أنه "لا يمكن للرئيس جو بايدن التنازل عن هذا الحظر، إلا بإخطار الكونغرس علنا قبل 15 يوما من إصدار التأشيرة"، موضحاً ان ليست هذه هي القضية المحورية في العلاقات المتردية ،وانما الامر اعمق بكثير، وله شقان:
الاول: هو مصير النظام السعودي القائم الذي كما يبدو ترفضه واشنطن كما هو، وتريد ادخال تعديلات عليه اذا لم يكن تغييره جذريا، كما تم تغيير حكم الملك فيصل ،وليس بالضرورة عن طريق الاغتيال كما حصل مع فيصل لانه اوقف تدفق النفط على اميركا ابان حرب 1973، وانما بطريقة اووسائل اخرى وهو ما عبر عنه سفير السعودية في مقرالامم المتحدة في فيينا بقوله: "المملكة وقيادتها خط احمر، هذا امر لا نفكر في مناقشته، وهو امر يتعلق بسيادتنا، سواء صدر تقرير خاشقجي ام لا،ولو ان السفير اطلق اللازمة الكلامية ان "علاقات المملكة مع الولايات المتحدة تاريخية ".
اذا المسألة تغيير النظام، ولذلك اتجهت التحليلات في السعودية، لا معلومات منقولة عن جهات رسمية بأن السعودية ستتجه نحو روسيا والصين، لا بل ان مسؤولين ينطقون باسم الملك سلمان لم يترددوا في الاعلان بان العلاقة مع روسيا جيدة، وهناك اتفاقات يمكن ان تدخل حيز التنفيذ قريبا، واعتبار ذلك، ليس في مجال الابتزاز المتبادل مع واشنطن التي تتقن هذه اللعبة جيدا، وربما استفاد البعض في السعودية من الاسلوب اللانساني واللاخلاقي في التعامل .ما يؤشر الى ان السعودية غير مترددة في مواجهة  الانتقادات الصارمة مع ليونة تجاهها الادارة الاميركية، وكذلك من الكونغرس، سيما مع عدم اتخاذ قرارات مؤلمة تكون ذريعة للاندفاع إلى موسكو وبكين لإعادة تنظيم علاقاتها الجيوسياسية والأمنية بناء على اتفاقات جديدة معهم.
المسألة الثانية: تتعلق بالملف النووي الايراني، ومحاولة السعودية، ايجاد كرسي على طاولة البحث المقبلة، وهذا لا تسمح به ايران، وايضاً الولايات المتحدة ضمنا، ولو لوحت الاخيرة بامكانية ذلك، على سبيل ابتزاز ايران، واغراء السعودية في آن، الا ان السعوديين يدركون ذلك، ولذلك يندفعون للارتماء في حضن بنيامين نتنياهو ،الذي جرد حملة ضد ايران، ويحاول اقناع من يمكن بما يريد، لكن التجاوب الدولي معدوم، لا بل ان اصواتاً اميركية تؤكد العودة الى الاتفاق كما كان قبل ولاية ترامب، ولم يعد هناك من مجال الا العودة لذلك، وهو عنوان الحركة الروسية الاساسية في دول الخليج، واقتراح الخطوات المتزامنة كحل للتمترس وراء من يبدأ الخطوة الاولى، وسيأخذ ذلك بعض الوقت. 
يمكن ان يملأ الفترة الفاصلة، ضغوط اقتصادية باتجاهات متعددة، لن تكون السعودية المستنزفة ماليا في حربها على اليمن بمنأى عنها، وكذلك مع توسيع القوات اليمنية دائرة الرد وصولا الى الظهران، وتراجع الامن البحري السعودي ايضا حيث بدأت اسرائيل بقدح شرارات فيه، الا ان استهداف باخرة اسرائيلية هناك دفع مسؤولين أمنين إسرائيليين خلال مداولات مغلقة عقدت في الأيام الأخيرة، للتوصية بتهدئة التوتر بين إسرائيل وإيران في البحر. ونقل موقع "واللا" عن مسؤول إسرائيلي أنه "في الفترة التي تبلور فيها الإدارة الأميركية الجديدة سياستها، ومن جهة أخرى تجري مفاوضات مع طهران حول اتفاق نووي، ليس صائبا العمل بشدة ضد إيران.. هذا الوقت للتهدئة"، مع التشديد على" أن المحور البحري من آسيا إلى إسرائيل حساس للغاية، وخصوصاً في منطقة مضائق هرمز، "التي توصف كمنطقة تجري فيها ردود فعل إيرانية في العقد الأخير، والواقع هناك يمكن أن يتدهور بسهولة". لتكون الخلاصة أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، يؤيد التوجه نحو تهدئة التوتر البحري.
ان الوضع في السعودية ليس على ما يرام، وهناك ومن داخل العائلة الحاكمة من يقول، ان الوقت حان للملمة جراح الهزائم السياسية المتتالية منذ عقدين على الاقل، وذلك لا يحتاج سوى القليل من العقل، والكثير من الدين، او ان السعودية ستكون في مهب الريح.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل