أقلام الثبات
هي الفوضى التي سبق وحذّر منها السفير الروسي السابق في لبنان الكسندر زاسبيكين في التاسع من تشرين الأول عام 2019 ، اي قُبيل ايام من اندلاع "ثورة 17 تشرين"، حين نبّه من " انّ الأميركيين يُهيّئون لفوضى في لبنان" عبر خطّة تعتمد على ازمة بالعملة الأجنبية، ودفع الأوضاع الإقتصاديّة والمعيشيّة الى الإنهيار الشامل، بهدف ضرب حزب الله ومن خلفه خصوم اميركا في المنطقة. هذه المرّة، وجرّاء تجاوز العملة الخضراء عتبة ال 10000 مقابل الليرة، عادت الإحتجاجات الى الشارع لتُهدّد بانفجار اجتماعي وما له من تداعيات خطيرة على الأمن، وخصوصاً أنّ جهات داخليّة حاضرة دوما لركوب معاناة اللبنانيين، وتوجيه "المنتفضين" صوب عناوين سياسية لا علاقة لها بالجوع والضائقة المعيشية، وهو ما لاحظه الجميع من تصويب جماعات في الحراك على حزب الله وسلاحه، ليصبح السؤال" ما هي الأهداف الخفيّة خلف هذه الإحتجاجات، التي لم تستطع هذه المرّة تحشيد نسبة صغيرة من الناس، وهل الضغط في الشارع الى حدود الفوضى دوافعه سياسيّة حصرا يرتبط بتشكيل الحكومة؟ أم أنّ الأمر يتجاوزها نحو تهيئة الأرضيّة لدخول "اسرائيلي" على خطّ الفوضى السائدة في توقيت حسّاس تمرّ به المنطقة؟
وفيما تراقب "اسرائيل" بدقّة الفوضى الإحتجاجيّة في لبنان، ومآل "عدوّها اللدود" حزب الله وسط الإحتجاجات الدائرة والتصويب عليه وتحميله وسلاحه وزر كل المصائب التي حلّت بهذا البلد، رُسمت علامات استفهام عديدة حول الإستهداف المركّز على عهد الرئيس ميشال عون ومحاولة "شيطنته" مرورا برفع شعارات تطال سلاح الحزب، و"تسخير" منصّات اعلاميّة وشاشات محدّدة لهذه الأهداف تبيّن –بحسب ما اجمع اكثر من مصدر صحافي، انها تتقاضى اموالا بشكل مباشر من السفارة الأميركية في بيروت.. وأبعد من ذلك..
هل هي صدفة وسط كلّ ما يجري ان تتعالى اصوات داخليّة معروفة الإنتماء في هذا التوقيت للمطالبة ب"تحييد لبنان" وفي نفس الوقت بتدويله؟ مع التذكير بما كانت تقارير صحافية لبنانية وغربية قد كشفت عنه في نهاية العام الماضي، ومفاده انّ المنسّق الخاصّ للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، رفع سلسلة تقارير الى الأمانة العامة توصي بإعلان الأمم المتحدة تحويل لبنان الى دولة فاشلة، بعد ان اصبح هذا البلد على شفير الإنهيار الشامل.
ولم يكن صدفة ايضا ان تُلحق تقارير كوبيتش بتطوّرَين خطيرَين تباعا، اوّلهما مرّ في طيّات قرار أصدره الكونغرس الأميركي-بإجماع الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ربط تفجير مرفأ بيروت بحزب الله، والثاني في مضمون ضغوط حثيثة مارسها بنيامين نتنياهو-رئيس الوزراء الإسرائيلي على مسؤولين اميركيين لوضع عقوبات على مطار بيروت الدوليّ تحت عنوان" وقوع هذا المطار تحت سيطرة حزب الله المباشرة".. هذا من دون اغفال الضغط الأميركي-ومن خلفه الإسرائيلي، لفرض خطّة "تعزيز" قدرات "اليونيفيل" في جنوب لبنان، حيث اكّدت معلومات صحافية لبنانية "انّ عتادا متطوّرا وصل بالفعل الى عُهدة هذه القوات منذ نهاية شهر ايلول الماضي- وسط انشغال اركان الدولة بتداعيات انفجار مرفأ بيروت، وتشمل أجهزة عالية الحساسية للكشف عن حركة الأسلحة في جنوب الليطاني، بانتظار تلقّيها مسيّرات مخصّصة بالرّصد والتصوير، واوضحت هذه المعلومات حينها انّ العمل جار ل"توسيع" مهمة اليونيفيل صوب الحدود الشرقيّة للبنان مع سورية.
وإزاء استمرار الضغط الأميركي على لبنان، برزت تسريبات حذّرت من دخول "اسرائيلي" على خطّ فوضى الإحتجاجات المطلبيّة خصوصا في هذا التوقيت مع اقتراب جولة انتخابات جديدة في الكيان الإسرائيلي، المُزمع انطلاقها في 23 من الجاري، وحيث اظهرت نتائج استطلاع اجراه معهد "دايركت بولس" انّ امكانيّة تشكيل الحكومة المقبلة من قِبل نتنياهو والليكود، معدومة.. وعليه، ثمّة من يرى انّ قبول نتنياهو بهزيمة سيتبعها حتما محاكمة بتُهم الفساد المنسوبة اليه.. مُستبعد، من دون اغفال التظاهرات الشعبية الضّخمة المطالبة برحيله، والتي استمرّت لأسابيع طوال، اضف إليه توجّسه من خسارة محتّمة امام ايران مع اقتراب عودة ادارة بايدن للتفاوض "النووي" معها بحسب ما توحي المؤشرات.. وبالتالي، يُصبح امر هروبه الى الأمام نحو "عمل عسكريّ ما" ضدّ اهداف محدّدة في ايران، او لبنان واقعا محتملا جدّيا يستوجب الحذر الشديد منه..
اكثر من ذلك، ثمّة من نبّه من انّ "اسرائيل" تترقّب هدفا "مُنتظرا" اوعزت به الى وكلاء لها في الداخل اللبناني للدخول على خطّ فوضى الإحتجاجات، وتسديد ضربات "مُحدّدة" ضدّ لبنان في ظرف تراه "مناسبا جدا" للتحرّك ضدّ حزب الله، مستغلّة الضغط المتزايد على سلاحه-وهذا ما سرّبته معلومات صحافية نقلا عمّن اسمته دبلوماسي غربي رفيع المستوى.
المؤكّد انّ واشنطن-ومن خلفها تل ابيب، ستزيد من وتيرة تأزيم الساحة اللبنانية في المدى المنظور، سيّما مع دعوتها رعاياها لإعادة النّظر بالسفر الى لبنان، وتحذيرهم من احتمال اقدام جماعات ارهابيّة الى تنفيذ هجمات محتملة قد تستهدف مواقع سياحية ومراكز نقل وتسوُّق، اضافة الى مرافق حكومية محليّة.. ما يعني انّ الضغوط والتحشيد ضدّ حزب الله قد يبلغ حدّه الأقصى، من دون استبعاد اللجوء الى عمليّة اغتيال قد تطال احدى الشخصيّات المناوئة للحزب لتحميله المسؤولية، على غرار واقعة تصفية النّاشط لقمان سليم، التي لم تؤت أكلها لناحية الهدف المطلوب بعدما أصرّت عائلته على رفض تسليم هاتفه، ما اثار علامات استفهام حول التكتّم عن الجهة الفعلية التي تقف خلف اغتياله.
اما عن احتمال لجوء تل ابيب الى المغامرة بعمل عسكريّ ضدّ حزب الله في لبنان، فتبقى الرسائل الناريّة المتتالية "الى من يعنيهم الأمر" سيّدة الموقف في المنطقة، وجديرة بالمتابعة الجدّية في اروقة تل ابيب، سواء من البوابة العراقية-من خلال رُزمة الصواريخ التي دكّت قاعدة عين الأسد الأسبوع الماضي ردّا على الضربة الأميركية لمواقع الحشد الشعبي على الحدود السورية-العراقية، او من خلال البوابة اليمنيّة حيث تجاوزت ضربات حركة "انصار الله" في العمق السعودي سخونة سابقاتها بوصولها هذه المرّة الى استهداف ميناء رأس تنورة، اضافة الى اهداف عسكرية وحيوية في الدمام والظهران، ما ادّى الى تعطيل الحركة الجويّة في المطارات السعودية الرئيسية لساعات طوال، ما حدا بناشطين سعوديين الى توصيف يوم أحد الهجمات اليمنية النوعية" انّ السعودية عاشت للمرّة الأولى اجواء حرب حقيقية".
وعليه، تُدرك تل ابيب انّ تلك الرسائل تتجاوز الحدود اليمنية، وتصدر عن قرار مركزيّ واحد، وتدرك ايضا انها لن تكون مستثناة من تلك الرسائل، خصوصا انّ محللين عسكريين "اسرائيليين"، حذّروا مؤخرا قادة الكيان من مغبّة اغفال خطر "الحوثيين" على "اسرائيل"، ولربما كان تحذير المراسل العسكري في صحيفة "يسرائيل هيوم" يؤاف ليمور بالغ الدلالة حين نبّه من احتمال وصول الضربات "الحوثية" الى العمق الإسرائيلي، بعدما حذّرت "هآرتس" بدورها من القدرات الصاروخية المتطورة "التي باتت تمتلكها هذه الجماعة"... اذا كانت حركة "انصار الله بدأت بإرباك تل ابيب.. فكيف سيكون عليه الأمر اذا ما غامرت الأخيرة بحرب ضدّ حزب الله؟
تكشف مصادر لبنانية مواكبة عن تحذير روسي وصل الى مسؤولين لبنانيين، من امكانيّة اضطرار حزب الله الى اتخاذ قرار غير مسبوق في مواجهة الضغط الأميركي المتواصل في الساحة اللبنانية، يقلب من خلاله الطاولة على الجميع.. ورجّحت اقتراب "مفاجأة مدوّية" تأتي بمنزلة إنجاز غير مسبوق يُسطّره الحزب-دون ذكر المزيد من التفاصيل.