الحياد .. أحلام الهروب من حضيض الواقع ـ أمين أبوراشد

الأربعاء 03 آذار , 2021 07:58 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

بأسلوبٍ طريفٍ مُحبَّب، وصَّف النائب سليم سعادة في إحدى مداخلاته البرلمانية وضع المواطن اللبناني، وكأنه ذلك "الغارق في الوحل ويقف ليُفرشي أسنانه"، وهذا التوصيف ينطبق على كل مجريات الحياة اليومية، المالية والإقتصادية والإجتماعية للطبقتين الوسطى والفقيرة في لبنان، وينطبق أولاً على الطبقة السياسية الحاكمة والمُعارِضَة على حدٍّ سواء، والبلد الراقد على الحضيض، محاولات إنهاضه تبدأ يملامسة واقعه، الذي لا يكتوي بناره سوى الشعب اللبناني، بدل الهروب الى الأمام، سواء عبر التدويل أو إعلان الحياد، ومَن يؤمن بشعبية هذه الطروحات، نُجيبه بكل ثقة أنها شعبوية، وهي للأسف جعجعة من غير طحين، لأن الغرب الذي نلجأ إليه غائب عن السمع منذ ما قبل الإبتلاء بوباء كورونا، وكل دولة تقوقعت داخل كيانها منذ أزمة مواجهة تدفُّق الإرهاب والإرهابيين، وصولاً الى الأزمة الإقتصادية والإجتماعية الشاملة التي أنتجها الوباء.
نعترف لبكركي أنها صرح وطني، لكنها انغمست في السياسة، وبابها مفتوح لكل الفرقاء ومنبرها أيضاً مفتوح حتى للسفهاء منهم، وبكركي تتَّخذ مواقف سياسية أحياناً أصغر من حجم الصرح بكثير، وهي في زمن البطريرك صفير بلغت حدوداً غير مقبولة من الإستهانة بمهابتها، لأنها غَدَت "ممرق طريق" لأهل السياسة بصرف النظر عن أحجامهم، ونقدُنا لبكركي لا يرمي الحرام علينا طالما هي تتعاطى في الشؤون الدنيوية، ونحن لا نرتكب "الخطيئة المُميتة" في البوح عندما ترتكب بكركي الأخطاء القاتلة!
خلال لقائه بالوفود الحزبية منذ أيام، نأسف أن خطاب البطريرك الراعي لم يرقَ الى مستوى الرؤية الوطنية الشاملة، حتى لو تحدَّث البطريرك بإسم اللبنانيين، لأن الغالبية الساحقة منهم ترى، أن طرح الحياد ليس أكثر من هلوسة في بلدٍ فيه من اللاجئين والنازحين أكثر من ثلث أهله، وكيان صهيوني يتربَّص في الجنوب ويجوب المياه الإقليمية والأجواء السيادية، والخلايا الإرهابية لديها مَن يأويها.
ولأن صور البطريرك صفير كانت مرفوعة في ساحة الصرح، فمِن حقِّنا العودة على الأقل الى العام 2007 من تاريخ البطريركية المارونية، عندما استقبل صفير في تشرين الثاني من ذلك العام،  رئيس أركان قصر الإليزيه، حاملاً رسالة من الرئيس نيكولا ساركوزي، ووُصِفت تلك الرسالة بالبليغة والمؤثِّرة، واعتبرها البعض أنها لناحية الشكل صيغة عصرية للرسالة التاريخية التي بعث بها الملك الفرنسي لويس الرابع عشر أواخر القرن السابع عشر إلى أحد أسلاف البطريرك صفير، والتي أكد له فيها يومها حماية "الملك الشمس" للجماعة التي سمّاها "الأمّة المارونية"، واعتبرها جزءاً لا يتجزّأ من الأمّة الفرنسية، وللتذكير فقط، فإن ٍساركوزي هذا، أو "لويس الرابع عشرالمُعاصر"، هو نفسه صاحب المبادرة القاضية بشحن ثلاثة ملايين مسيحي بالبواخر الى فرنسا!
كفانا التحليق في عالم الوَهَم، وتصنيف خطاب الراعي بأنه وطني غير صحيح، طالما يراه البعض الآخر أنه فئوي، وردود فعل بعض المرجعيات الروحية والسياسية عليه تفتح علينا أبواباً نحن بغنى عنها، خصوصاً أن لا صفة سياسية للبطريرك لدى المراجع الأممية المعنية بالتدويل، و"المبادرة الفرنسية" للرئيس إيمانويل ماكرون، هي التي تحاكي الواقع بعيداً عن منطق لويس الرابع عشر، لأنها  لم تأتِ كرسالة الى المسيحيين بل مبادرة شاملة وافق عليها الفرقاء اللبنانيون، وهي وإن فشِلت لغاية ألآن، تبقى أفضل وأكثر أمناً وأماناً للمسيحيين والموارنة من إحياء مجد "الأمة المارونية" التي كانت جزءاً لا يتجزأ من "الأمة الفرنسية" ... 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل