اقزام التدويل ـ عدنان الساحلي

الجمعة 26 شباط , 2021 12:31 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تتقاطر المصائب والنوائب على لبنان واللبنانيين. ولا يكفيهم شر الفساد المستشري في نظامهم الهجين، الذي لا طعم له ولا لون، سوى التحاصص الطائفي المافياوي، الذي ينتج الفساد ويحميه ويحتمي به، بما يمكن أركان هذا النظام والمستفيدون منه، أن يرفضوا أي إصلاح له أو تبديل، بعدما تبين أنه فاشل في تأمين حاجات اللبنانيين ورعايتهم أو إبقائهم في موطنهم، بدل الهجرة والإغتراب بحثاً عن لقمة العيش والحياة الآمنة في بلاد الله الواسعة.
ولأن أركان النظام اللبناني فشلوا في بناء وطن؛ وأوقعوا اللبنانيين في شر الحروب الأهلية. كما أنهم جوعوهم وأفقروهم، فإن ما يسمى "الدولة العميقة" حارسة الكيان والنظام وهي من صلب أركانه ومن رؤوس فساده، تلجأ إلى الخارج، تستنجد به وتستقوي بقوته لتحمي فشلها وفسادها، كلما وصل نظامها الفاشل إلى حائط مسدود. 
من هنا ولهذه الأسباب نرى دعوات التدويل حيناً والفدرلة حيناً آخر. ونواجه التخبط والتناقض في الشعارات والمطالب. فكيف تستوي معزوفتهم عن السيادة التي تصم الآذان، مع مطالبتهم الخارج بالتدخل في الشأن الداخلي اللبناني. هي فضيحة الفضائح لأدعياء السيادة والحرية والإستقلال، أن يطالبوا بتدويل المشكلات اللبنانية، فيما هم أنفسهم يزايدون على باقي اللبنانيين بشعارات السيادة. 
والواقع أن أصوات التدويل هذه هي صدى وامتداد لتاريخ من التبعية والإرتهان إلى الخارج، منذ أن بدأت فكرة الكيان تراود أذهان البعض لينشىء إمارة طائفية له في جبل لبنان، فالإستقواء بالخارج والتبعية له كان سلاح الذين إفتعلوا أحداث العام 1840 التي سجلها التاريخ باعتبارها فتنة بين سكان جبل لبنان. ثم أتبعوها بأحداث 1860 المماثلة، فكانت تلك الفتن طريق التآمر والتدخل الخارجي، الغربي المتواطىء مع المحتل العثماني، لإقامة ما سمي نظام القائمقاميتين، وحكم المتصرفية، الذي ترجمه المستعمر الفرنسي فيما بعد، بإقامة الكيان اللبناني، على طريقة القص والتلزيق، من دون أخذ موافقة السكان الذي أدخلوا في الكيان، أو أخرجوا منه. بل ورغما عن إرادة شريحة من "اللبنانيين" تعادل أكثر من نصف سكان الكيان المستحدث. وتعادل مناطق سكنها ثلثي مساحة لبنان. هذه هي الأسس الحقيقية للتفكير الذي يتحكم بعقول دعاة التدويل وكذلك الفدرلة ومشاريع التقسيم، هؤلاء أقزام تعودوا أن يحل الخارج لهم مشاكلهم. ويرتب لهم أوضاعهم ويشرف على أحوالهم. ولا يرون التعاطي مع غيرهم من اللبنانيين إلا بلغة الفرض والإرغام.
دعاة التدويل هؤلاء في حقيقة موقفهم، يرفضون حل مشكلات لبنان بإرادة لبنانية. يرفضون الجلوس مع إخوانهم وشركائهم في الوطن للتوصل إلى جوامع مشتركة ورؤى موحدة للقضايا الوطنية. حتى في مواجهة العدو "الإسرائيلي" الذي إحتل الأرض وقتل الشعب وأذله، رفضوا أن يأخذوا موقفاً وطنياً موحداً منه. بل آثروا مغازلة العدو المحتل وتعاونوا معه سراً وعلانية. كما رفضوا الإنحياز للمقاومة التي قاتلت المحتل وضحت وبذلت الدماء والأرواح، حتى أخرجته ذليلاً مدحوراً في العام 2000. وما زالوا يشككون بدور المقاومة وبضرورة بقائها سداً في وجه أطماع العدو واعتداءاته.
بكل وقاحة يخرج علينا من يقول أنه يريد مؤتمراً دولياً "لمساعدة لبنان على إعادة إنتاج السلطة واستعادة سيادته الوطنية". ويتناسى أصحاب  هذه الدعوات ما جرى للبنان في مؤتمرات مماثلة، في لوزان وفي الطائف والدوحة. وهل التزموا بقرارات تلك المؤتمرات التي عقدت تحت راية الأجنبي وفرضت بارادته خطوط التفاهمات وحدود التوازنات؟ أصحاب الدعوة للتدويل، هم أنفسهم يرفضون طوال ثلاين سنة تطبيق بنود إتفاق الطائف. فعن أي مؤتمرات يتحدثون. هؤلاء يتناسون أن "المارينز" الأميركي نزل في بيروت عام 1958 ولم يستطع فرض إرادته. وينسون أن القوات المتعددة الجنسيات فرت هاربة مهزومة من لبنان عام 1984 بعدما خسرت مئات القتلى من جنودها. 
لقد آن الأوان لأن يجلس اللبنانييون وحدهم، من دون أي مشاركة غريبة أو أجنبية، فيتحاورون ويتفقون على الخروج من هذا النظام إلى نظام المواطنة والغاء الطائفية والمحاصصة. وتقديم الكفاءة والخبرة والشفافية ونظافة الكف على أي خصلة أخرى عند كل من يتنطح للعمل العام، سواء في الرئاسات أو الوزارات والنيابة وباقي الوظائف العامة. غير ذلك سيكون دوران في الحلقة المفرغة واستعادة للحروب الأهلية، التي لم يتعلم دعاة التدويل والفدرلة من حرائقها ودمارها وضحاياها شيئاً.  


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل