أقلام الثبات
لا يزال فيروس كورونا المعروف ب "كوفيد 19" يجتاح العالم من اقصاه الى اقصاه، ويدخل البشرية في عالم غير مسبوق من القلق المدمر للاعصاب، وتتزايد اثاره على الاقتصاد العالمي الذي لحقت به اضرار واسعة على مختلف المستويات، ولا سيما اقتصادات الدول الكبرى، التي وقفت حائرة امام فيروس لا يرى بالعين المجردة، وقد لامس عدد ضحاياه 200 مليون إصابة، واكثر من مليوني وفاة .
لقد وضع "كوفيد 19"العالم في دائرة التخبط, بالتوازي مع اطلاق عنتريات اكتشاف لقاحات باسم "الانسانية" والحفاظ على صحة الشعوب، تدعمها حملات بروباغندا غير مسبوقة بان العودة لانتظام الحياة على كوكب الارض قاب قوسين او ادنى، عبر ترويج كل واحدة من الدول الأكثر غنى بان الخلاص من الجائحة لن يكون الا على يدها، بينما الدول الفقيرة والأكثر فقرا حيث "مركز الانسانية "تنتظر الرحمة، او على الاقل التفاتة من الدول التي تسببت أصلا في إفقارها واستعمارها أكان مباشرة بجيوشها، او سياسيا او اقتصاديا بطريقة غير مباشرة.
ادى التنافس على السوق العالمي في اللقاحات الى استخدام شركات منتجة لهذا اللقاح او ذاك، أسلحة التطويع القذرة، مثل الابتزاز، والارتهان الاقتصادي والسياسي, قبل ان تلوح بامكانية تزويد هذه الدولة اوتلك بترياق يفتح لها باب الامل، مع محاولة إقناع انها وحدها تنتج العلم، وهذا الامر فتح الصراع على مصاريعه في المجال الجيوسياسي العالمي, بعد ان أظهرت أزمة كورونا جشع الدول الغنية وأنانيتها المفرطة حتى في ما بينها، فبدل ان تكون المصيبة جامعة في البحث عن ازهاق كورونا، تحولت الاستفادة من الجائحة الى ما يشبه "نفط المرحلة", ولا سيما للولايات المتحدة التي طورت لقاحي "فايزر" و"موديرنا"، بينما انتجت بريطانيا لقاح "أسترازينيكا"، والذي ينتج بعضه في الهند، وسجلت روسيا 3 لقاحات مضادة لفيروس كورونا، آخرها لقاح "كوفيفاك"، وكان اللقاح الروسي "سبوتنيك V" أول لقاح في العالم ضد فيروس كورونا، تم تسجيله في 11 اب العام الماضي. أما الصين فاستطاعت تطوير لقاحي سينوفارم وسينوفاك وإنتاجهما، وثالث آخر في الطريق. كما دخلت ايران سوق الانتاج بتطوير لقاحها الخاص و سيكون متوفرا في الأسواق المحلية في نيسان المقبل.
نتيجة دراسات مستقلة حول لقاحات "كوفيد19" تظهر الدراسات العلمية ان هناك 5 لقاحات متنافسة على المستوى التسويقي، ولعل الولايات المتحدة لديها القدرة التسويقية أكثر من غيرها، ليس بسبب كفاءة لقاح الفايزر تحديدا او موديرنا، وانما بسبب ممارسة النفوذ، وهذا يظهر في العديد من الدول .
اما اللقاحات المتنافسة فهي الفايزر vs,سبوتنيك v,موديرنا، سينو فارم,استرازينكا .مع الاشارة الى شركتي فايزر وموديرنا تريدان احتكار أسواق اللقاحات، اذ أنهما شركات خاصة هدفها الربح، بينما اللقاح الروسي سبوتنيك حكومي. اذا اردنا ان لا نتجاوز المسألة العلمية فلا بد ان لانتجاهل ما اعلنته مجلة "لانسيت" الدورية، التي تم تأسيسها في بريطانيا عام 1823، هي مجلة طبية عامة أسبوعية مراجعة، وتعتبر من أقدم وأشهر المجلات الدورية الطبية في العالم وتعد واحدة من أبرز وأكثر المجلات تميزا في العالم.
وهنا استناجات للمجلة تتعلق بمؤشرات سلامة عالية، ل "سبوتنيك " حيث كانت معظم الآثار الجانبية (94٪) خفيفة، دون تسجيل ردود فعل تحسسية شديدة، في حين كان مستوى الآثار الجانبية الخطيرة أقل منها في مجموعة اللقاحات الأخرى"سبوتنيك" - 0.27٪ (من مجموع الذين تم تطعيمهم الملقحين)"أسترازينيكا" - 0.66٪"فايزر" - 0.58٪"موديرنا" – 0.97٪
"هناك ثلاثة لقاحات فقط في العالم، بما فيها "سبوتنيك V"، تتمتع بفعالية تزيد عن 90٪، بينما يتفوق "سبوتنيك V" على اللقاحات الأخرى في هذه الفئة من حيث السلامة والتحقق من جودة منصتها الأساسية، وسهولة النقل ودرجة حرارة التخزين بسبب نظام درجة الحرارة +2 +8 درجات فضلا عن سعره المعقول"وهو يحمي بشكل كامل من الحالات الخطيرة لفيروس كورونا، وحسب نتائج التجارب، فإن فعالية "سبوتنيك V" تتجاوز 98% من حيث الاستجابة المناعية الخلطية، بينما تقترب من 100%" من حيث المناعة الخلوية., وهذا الانجاز لا يتوافر بهذه النسب في اللقاحات الاخرى بما فيها الفايزر الذي يلقى دعاية ورعاية وأظهر "سبوتنيك V" فعالية تبلغ 91,6٪ مقارنة مع 62,1٪ عند "أسترازينيكا"، و50,4٪ عند "سينوفاك" و79,3٪ عند "سيتنوفارم".
ان التنافس العلمي بين القوى العالمية في حقيقته تنافس استراتيجي وجيوسياسي، حيث إن الحرب ضد الجائحة هي حرب ضد الانكماش الاقتصادي، وضد إمكانية تقلص النفوذ الدولي، خصوصا في مواجهة روسيا مكتشفة اول لقاح فعال و"القوة الصينية" التي ترسخ المزيد من نفوذها عبر العالم، وليس مستغربا في ان تتحول شركات كبرى في الغرب من صناعة السيارات الراكدة نسبيا, الى الاستثمار في انتاج اللقاحات لجني ثروات توظفها في السياسة في اطار الجشع اللامحدود والانانية غير المسبوقة ما دفع دول مثل الدول الاوروبية التي لم تنتج لقاحا واحدا بما فيها فرنسا للاتجاه ولو بحياء نحو روسيا والصين ، وبالفعل هناك دول من ضمن الاتحاد الاوروبي لم تجد عونا الا من روسيا التي تنتج اللقاحات حكوميا، وليس عبر شركات متعددة الجنسية، وقد استجابت روسيا التي فتحت المجال مع العديد من الدول لانتاج لقاحاته في الدولة التي تريد وهنا الجزائر مثال، وحتى التعاون المفتوح مع اوروبا عبر اعلان الرئيس فلاديمير بوتين بانه "يجب علينا تضافر الجهود، بما في ذلك مع شركائنا الأوروبيين"، و "نحن منفتحون على العمل المشترك".فيما قال الرئيس الصيني، شي جين بينغ، للعالم أجمع إن أي لقاح تطوّره الصين مقدّر له أن يصبح "منفعة عامة عالمية".
لقد فشل الغرب مرة جديدة على المستوى الاخلاقي، ومن المفترض ان يكون لذلك تداعيات سياسية وازنة، ولا سيما في اوروبا اذا ارادت دول القارة ان تكون حرة من القبضة الاميركية وان لا تكون رهينة، على المستوى السياسي الذي يجر الى كافة مجالات الحياة، وهو ما عبر عنه الباحث السياسي الفرنسي باسكال بونيفاس، الذي قال إن روسيا حققت انتصارا جيوسياسيا، بفضل لقاح "سبوتنيك V" المضاد لفيروس كورونا المستجد.وأشار الخبير الفرنسي، إلى "ظهور الكثير من السخرية" عندما قدم الرئيس فلاديمير بوتين اللقاح الروسي ضد كوفيد.وشدد بونيفاس، على أن إطلاق اسم "سبوتنيك" على اللقاح، خلق الانطباع في العالم، بعودة الاتحاد السوفيتي واستراتيجيته، ولكن تبين لاحقا أن هذا اللقاح يعمل فعلا".
لقد استنتج الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريتش درسا من الجائحة المتتالية فصولا وموجات في العالم كله مع ظهور انواع متطورة من الفيروس بقوله: "لقد أظهر الوباء بوضوح الطبيعة المترابطة لأسرتنا البشرية والطيف الكامل من حقوق الإنسان، المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. لقد فاقم وباء كورونا الفجوات الموجودة من قبل، ونقاط الضعف وعدم المساواة، كما أدى إلى ظهور مشاكل جديدة، بما في ذلك في مجال حقوق الإنسان. نحن نشهد حلقة مفرغة من الانتهاكات".وإن فقدان الوظائف وزيادة الديون والانخفاض الحاد في الدخل قلبت حياة مئات الملايين من العائلات رأسا على عقب".