أقلام الثبات
من المؤكد والمحسوم أن الحد الذي وصل إليه حجم تعقيدات الأوضاع في لبنان على الصعد كافةٍ، خصوصاً على الصعيدين الإقتصادي، والسياسي (تحديداً لناحية فشل نظام الطائف في إدارة الدولة)، لن يذلل تشكيل "حكومة إختصاصين" سواء كانت مؤلفةً من 18 أو 20 أو 22 وزيراً. ولا قيمة لحصول أي طرفٍ معنيٍ "بالتشكيل" على الثالث الضامن في الحكومة المرتقبة، مادام النظام برمته عاجزاً في شكلٍ نهائيٍ عن مواكبة الشؤون التي تتعلق بحياة المواطن اللبناني ووجوده على أرضه، تحديداً لجهة معالجة الشأنيّن الإقتصادي والمعيشي. وهذا ما يحتّم راهناً أكثر من أي وقتٍ مضى، على مختلف المكونات اللبنانية، الإلتئام والجلوس الى طاولةٍ مستديرةٍ، والتفاهم على تطوير النظام القائم، قبل أن يندفعوا مرغمين الى هذا الإلتئام تحت وطئة ضغوطٍ خارجيةٍ، أو حدثٍ أمنيٍ داخليٍ معيّنٍ، يؤدي الى خلط الأوراق مجدداً، خصوصاً في ضوء إستمرار التعقيدات التي تعوق ولادة الحكومة الجديدة.
ولاريب أن التفاهم بين المعنيين في لبنان على تأليف الحكومة المرجوة، قد يسهم في حلحلة الأوضاع الإقتصادية والمعيشية، على اعتبار أن وقف الإنهيار الإقتصادي، ووضع خطةٍ لمعالجته، سيكون على رأس أولويات برنامجها المرتقب، بعدما ضاقت سبل العيش وفسحات الأمل أمام المواطنين، بحسب رأي مرجعٍ سياسيٍ على صلةٍ بمركز القرار في حزب الله. ويقول: "إن وجع الناس أكبر من كل الخطب ومحاولات الإستقطاب الطائفية والمذهبية العقيمة، التي لن تجلب لهم، إلا المزيد من تفاقم أزمتهم المعيشية، ولم يعد في وسعهم تحملها، خصوصاً بعد التدهور الكبير في سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي أخيراً". ويحذر أطراف التأليف، قائلاً : "لقد آلت أوضاع المواطنين الى مكان، لم يعد يحتمل تشبث أطراف تأليف الحكومة في شروطهم، إن لناحية حيازة الثلث الضامن، أو لناحية توزيع الحقائب في الحكومة المرتجاة، بينما يزرح المواطنون تحت وطأة أزمة إقتصادية – معيشية – إجتماعية، غير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث". وعن إستمرار التصلب في الموقف السعودي لجهة رفض مشاركة حزب الله من بعيدٍ أو قريبٍ في أي حكومة يرأسها الرئيس سعد الحريري، يأمل المرجع في أن يكون لدى المسؤولين في المملكة السعودية المرونة الكافية، لإعادة قراءة التطورات الدولية، وإنعكاسها على الأوضاع في المنطقة، خصوصاً بعد تسلم الرئيس جو بايدن إدارة دفة الحكم في الولايات المتحدة الأميركية، الذي أعلن بدوره، عزمه على بداية تغيير السلوك العدائي للإدارة السابقة تجاه إيران، التي كانت راهنت عليها السعوية و"إسرائيل"، خلال حقبة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب. ويلفت إلى أن أولى المؤشرات الى هذا "التغيير"، هو إعلان البيت الأبيض قبول واشنطن عرضا أوروبيا للتوسط في الحوار مع إيران، وقبلها رفع بعض أسماء قادة في أنصار الله في اليمن عن قائمة الجماعات الإرهاب، تمهيداً لعقد المفاوضات مع الحوثيين، كخطوةٍ إلزاميةٍ على طريق الحل السياسي المنشود للأزمة اليمنية. ويعتبر المرجع أن هذا التطورات في السياسة الدولية والإقليمية، سيكون لها إنعكاس حتمي على الأوضاع في لبنان. ويقول : "لا داعٍ للمكابرة، فلن تجدي نفعاً". ويؤكد المرجع أن المواقف والحلول، التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة، تحديداً المتعلق منها بعملية تشكيل الحكومة، أتت منسجمةً بالكامل مع التطورات المذكورة آنفاً، فقد حاول طرح مخارج للأزمة الحكومية المستعصية، بما يرضى طرفي التأليف (رئيسي الجمهورية والحكومة). وعن إمكان تلقفهما لطرح نصر الله، يرفض المرجع التنبؤ في النتائج، قبل عودة الحريري من جولته الخارجية، كذلك في إنتظار المواقف التي سيطلقها رئيس التيار الوطني الحر، النائب جبران باسيل في كلمته، التي سيلقيها في الساعات المقبلة.
وفي السياق، كشفت مصادر سياسية عليمة أنه تم التداول في أجواء بيت الوسط أمس، معلومات ترجح أن يبدي الحريري مرونة في عملية تشكيل الحكومة، خصوصاً بعدما تلقيه نصائح، خلال جولته الخارجية، بضرورة إيجاد جوامعٍ مشتركةٍ مع شريكه الدستوري في تأليف الحكومة، وأن الحل في لبنان، قبل أن يكون في أي مكان آخر، ففي نهاية المطاف، لن يوقع مرسوم تشكيل الحكومة إلا في قصر بعبدا.
وفي هذا الصدد، يؤكد مرجع سياسي طرابلسي ألا يمكن البناء على أي كلامٍ إيجابيٍ في شأن تأليف الحكومة قبل عودة الحريري وإطلالة باسيل، معتبراً أن نصر الله حاول في كلمته الأخيرة تقريب المسافات بين طرفي التأليف الأساسيين، ومراعاتهم في الوقت نفسه على "قاعدة لا غالب ولا مغلوب"، من خلال دعوة فريق رئيس الجمهورية الى التخلي عن فكرة الثلث الضامن، هذا إذا كانت موجودة أصلاً، والرئيس الملكف الى الإقلاع عن التمسك بتأليف من 18 وزيراً، ورفع عدد وزرائها الى 20 وزيراً، كي يفسح في المجال أمام تمثيل النائب طلال إرسلان في الحكومة المرتقبة، بما في ذلك إرضاء لرئيس الجمهورية. ويختم المرجع الطرابلسي بالقول : " لا شك أن كلام الأمين العام لحزب الله أوجد حيوية جديةً لمسألة تشكيل الحكومة المنتظرة، وقد تمهد هذه الحيوية الطريق الى ولادتها، ولكن يبقى الأساس في هذه المسألة، كيفية تلقف الحريري لمبادرة نصر الله، في ضوء إستمرار تصلب الموقف السعودي الرافض لمشاركة حزب الله أو من يسميه في أي حكومة يؤلفها الحريري".