أقلام الثبات

لم تتوقف تركيا عن التغلغل في دول شمال وغرب أفريقيا عبر القوة الناعمة تارة، وعبر الأدوات الإستخباراتية تحت غطاء خيري وديني طوراً مدعومة بالمال القطري، فعبر وكالة التنسيق والتعاون التركية "تيكا" وعشرات المنظمات الدينية والجمعيات الخيرية تسللت عناصر المخابرات التركية إلى قلب مجتمعات دول شمال وغرب أفريقيا في الأعوام الماضية.
الأمر الذي يؤكد أن أختيار المخابرات التركية كي تنشط عناصرها بقوة بالوقت الراهن بتلك المناطق الحيوية الهامة من القارة السمراء سواء في نيجيريا، أو في دول الساحل والصحراء، أو شمال افريقيا لم يأت إعتباطا، في ظل إستعداد تلك المناطق لدخول مرحلة جديدة تتمثل بدمج بعض المليشيات الإرهابية ببعضها، وإعادة هيكلة الأخرى بعد تعيين الجزائري أبو عبيدة يوسف العنابي كزعيم جديد لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي خلفا لعبد المالك درودكال.
وهنا يؤكد المراقبون في طرابلس على خطورة التحركات المريبة للتنظيمات القاعدية في الآونة الأخيرة على الأمن القومي الليبي وأمن جميع دول شمال أفريقيا، في ظل استمرار تدفق المال القطري والسلاح التركي لتلك المليشيات المتواجدة بصحاري تلك الدول بداية من نيجيريا مرورا ببوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد وصولا الى ليبيا.
ويذكر أن موقع أوسينت OSINT لرصد الاقمار الصناعية الجمعة الماضية كشف عن ستة فرقاطات تركية في خليج سرت جنوب شرق مدينة مصراتة، وأوضح الموقع أن القمر الصناعي ” SENTINEL-1 CSAR” التقط الجمعة 4ديسمبر/كانون الأول الماضي في تمام الساعة السابعة مساء بتوقيت طرابلس صوراً لستة فرقاطات تركية على الأقل في خليج سرت، ولم تكن تلك المرة الأخيرة الذي يكشف فيها موقع أوسينت OSINT لرصد الأقمار الصناعية عن تحركات قطع السلاح البحري التركي في سواحل ليبيا.
كما كشف "المرصد السوري لحقوق الإنسان" مؤخرا عن معلومات حول نية النظام التركي إرسال دفعة جديدة من مرتزقة الفصائل السورية الإرهابية إلى ليبيا خلال الأيام القادمة، بعد أن كشف المرصد الى أن تعداد المجندين الذين ذهبوا إلى الأراضي الليبية حتى الآن بلغ نحو 18 ألف مرتزق من الجنسية السورية من بينهم 350 قاصراً دون سن الـ18.
أردوغان يشحن الإرهابيين لليبيا من حدودها الجنوبية
وفي هذا السياق يؤكد الباحث السياسي الليبي سعيد عبيدة بأن هناك نية واضحة من أردوغان وفريق عمله وعلى رأسهم مدير الإستخبارات هاكان فيدان فى التوجه لملء أي فراغ يحدث في أي دولة افريقيا، ودمج أكبر كم من التنظيمات التكفيرية في منطقة الساحل والصحراء في معادلة واحدة لإستهداف ليبيا."
ويضيف عبيدة مثلت ليبيا أهمية خاصة لدى ساسة العثمانيين الجدد، فأن كان التواجد في ليبيا مثل للرئيس التركي الحضور الحقيقي في شمال افريقيا، فكان الأمر لمدير مخابراته خطوة جيدة جدا للتمركز بنقطة هامة إستراتيجيا بين أكبر دولتين بشمال أفريقيا مصر والجزائر."
ويتابع: "لم تتردد تركيا للحظة فى التحرك نحو ليبيا جراء الفوضى التي لحقت بها في بداية عام 2011م، وذلك بحكم جغرافية ليبيا الواسعة ولما تملكه من حدود طويلة مع مصر والجزائر، وكونها بوابة اوروبا على افريقيا، وأحد أهم نوافذ افريقيا على البحر المتوسط، ورقعة هامة فى الدولة الاردوغانية الكبرى المزعومة، فدخلت تركيا الى ليبيا يدا بيد مع قطر وبنفس الأدوات من خلال تنظيمات أرهابية تتبع جناح الاسلام السياسي و"الاخوان المسلمون."
وأوضح عبيدة: "هنا أنتقل اردوغان بليبيا من مرحلة تدمير المؤسسات المتبقية في ليبيا الى مرحلة تأسيس مشروع فرض جماعة "الإخوان" على شمال افريقيا، وتصعيدهم الى سدة الحكم بليبيا كما حدث فى مصر عام 2012م، حتى باتت الخلافة الاردوغانية على شمال افريقيا قاب قوسين أوأدنى من أن تتحقق، في ظل سيطرة حركة النهضة على قصر قرطاج، وصعود مؤشر حركة مجتمع السلم (إخوان الجزائر) وقتها، وإعتلاء الإخوان عرش مصر في2012."
واستطرد: "اليوم أردوغان يتبع تكتيك جديد ويغير تحركه لدمج الجماعات الإرهابية والتنظيمات الأصولية بأفريقيا لإستهداف ليبيا ولكن في هذه المرة عبر البر، أي عبر حدود ليبيا الجنوبية، وليس عبر البحر المتوسط أو الأجواء المكشوفة لكل أجهزة المتابعة والرصد لحركة الطيران."
ويقول عبيدة: "هذا ما يفسر لنا سر أهتمام الجيش الوطني الليبي بدك معاقل التنظيمات الإرهابية بجنوب ليبيا مؤخرا."
خريطة التنظيمات الإرهابية تتسع من غرب افريقيا الى غرب اسيا
ويشير المحلل السياسي الليبي مصطفى الترهوني إلى شكل خريطة دول شمال وغرب أفريقيا، وبالتحديد الى نييجريا وما حولها، بعد أن تورط العديد من العناصر التكفيرية بنيجيريا في تنفيذ أعمال عنف وقتل في ليبيا، فيقول الترهوني: "لو نظرنا للخريطة والشكل الحالي للجغرافية الواسعة للتنظيمات الإرهابية بأفريقيا، فسنجد بعد أن صار هناك دولة للتنظيم الإرهابي "داعش" على رقعة العراق وسورية، الأن صار هناك مثيل لها وربما أكبر حجما، في شمال مالي والكاميرون ونيجيريا بنفس الفكر ولنفس الهدف، حتى وإن أختلفت المسميات من داعش الى بوكو حرام."
ويضيف: "وهذا يؤكد وجود مخطط كبير لتلغيم غرب وشمال افريقيا بالتنظيمات الإرهابية، وعلى تحويل نيجيريا لمصنع تفريغ العناصر التكفيرية على غرار معسكرات التكفيريين بشرق تركيا، لتوريد هولاء مستقبلا الى دول الساحل والصحراء وشمال أفريقيا وليبيا تحديدا."
ولفت الترهوني: "لو نظرنا للخريطة سنجد أن هناك حزاماً قاعدياً ناسفاً تم ربطه من نيجيريا بغرب افريقيا وحتى العراق بغرب أسيا، وهذا يقول لنا ان مسرح عمليات التنظيمات الإرهابية لم يعد محصوراً تحركه بين ليبيا والعراق، بل أصبح بداية من غرب افريقيا مرورا بدول الساحل والصحراء ثم ليبيا وصولا للشام والعراق."
ويتابع: "إن ذلك يؤكد سعي الدول الداعمة للتنظيمات الإرهابية لبث الفوضى في جميع دولة الإقليم، ولتفجير الوضع الداخلي في تلك الدول مرة أخرى، وبالطبع ليبيا في مقدمة تلك الدول المستهدفة."