أقلام الثبات
يعقد الكثير من دول العالم رهاناته على الادارة الاميركية الجديدة برئاسة جو بايدن , بإعادة تعويم الهيبة الاميركية التقليدية , الى ما قبل الترامبية , التي قامت على الابتزاز والصدام المباشر , دون التمحيص بدور الحزب الديمقراطي الذي كان حاكما قبل الترامبيين , برئاسة باراك اوباما , وهو من اخترع شعار "الحرب الناعمة", وايقظ قبائل الارهاب من سباتها ورعاها , واعترف بذلك علانية في غير مكان وموقف , لعل أبرزها كتاب هيلاري كلينتون, وفيه اقرت بذلك , اي ان الولايات المتحدة هي من صنعت التنظيمات المتطرفة وأوجدت لها سبل الدعم والتمويل والتسليح ,وبالتالي كلفتها بمهام التخريب وتمزيق الاوطان .
لقد بنى الرئيس الجديد - جو بايدن - السياسة التي سيعتمدها لعودة صورة اميركا كما يريدها , بكل بشاعتها , على قائمتين أساسيتين .
1- تفعيل دور وزارة الخارجية , وهو قال في لقاء بمقر وزارة الخارجية في واشنطن اريد ان يسمع العالم : أميركا عادت. أميركا عادت. لقد عادت الدبلوماسية إلى مركز سياستنا الخارجية", الا ان اللافت , لم يأت بايدن على ذكر "اسرائيل" بالمطلق في خطابه , لا بل لم يتصل كعادة الرؤساء برئيس الحكومة الاسرائيلية من ضمن الأولويات في الاتصال مع رؤساء الدول , وهو ما فسره البعض بانه موقف صارم من "اسرائيل" , وليس موقفا شخصيا من رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو , الذي لم يتعاط معه باحترام خلال الحملات التنافسية للانتخابات الاميركية , لكن القطبة غير الخفية قد تكون بعدم الاتيان على ذكر "اسرائيل" ولو بكلمة او ملاحظة , كي لا يضطر الى التحدث عن قضية الشعب الفلسطيني , وبالتالي عن الصراع العربي - الصهيوني , وهذا يعني عدم المساس بكل ما فعلته إدارة سلفه دونالد ترامب بصلف واضطهاد بحق الفلسطينيين، إن كان بشأن القدس او المستوطنات أي عدم مس "إرث" ترامب في قراراته المؤيدة لـ "إسرائيل" في تسوية الصراع المركزي في الشرق الأوسط - الصراع العربي - "الإسرائيلي". وهو بكل الاحوال ما أكده وزير الخارجية الاميركية الجديد انتوني بلينكن , بأن الادارة الجديدة ليست في وارد تغيير ما فعلته ادارة ترامب , مع لازمة القول أن إدارته مع حل الدولتين ,بشكل عام .
من المستغرب ان لا يلاحظ المراقبون أيضا غياب كلمة, او مصطلح "الارهاب" عن خطاب بايدن أكان على المستوى الاقليمي او الدولي , ما يطرح التساؤل الشرعي , بخلاف ما درج عليه الرؤساء الاميركيون منذ عقود, وركز بالمقابل على "الخصوم"- الاعداء الدوليين وهما روسيا والصين , وقال إن الصين "لديها طموح متزايد لمنافسة الولايات المتحدة"، بينما روسيا مصممة على "إلحاق الضرر بالديمقراطية الأميركية وتدميرها". والصين، مع ذلك، "أخطر منافس" للولايات المتحدة.
2- القائمة الثانية , التي بنى عليها ما سيكون عهده , ما يمكن ان يساهم في تدمير القيم الاخلاقية والانسانية والروحية - الايمانية، إذ قال إنه من أجل استعادة "الريادة الأخلاقية" لأميركا، سيصدر الرئيس "مذكرة رئاسية" إلى "الوكالات"، أي إلى الجهات الحكومية الفيدرالية الأميركية، "لإنعاش ريادتنا في قضايا المثليين والقيام بذلك دوليا".
بالطبع لا يخاطب بايدن هنا المجتمعات الاميركية , التي باتت فيها المثلية أمراً طبيعا لأن اول ظهور لعلم "قوس قزح" رمزًا للمثلية،كان في سان فرانسيسكو عام 1978, بل المجتمعات الأخرى, ولا سيما الشرقية منها أكان في اوروبا, مثل روسيا أوالصين إلى المشيخات والممالك العربية, وقد اختار بايدن بعض أركان حكومته من المثليين. ومنهم وزير النقل، بيت بوتيدجيدج، واصفا إياه بأنه "قائد، ووطني وإنسان يمكن أن يحل المشكلات".
والواقع ان إدارات اميركا التي تكن عداء متعاظما ً لروسيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية , المعروفة بالحرب الوطنية العظمى في روسيا , جربت استفزاز المجتمع الروسي بهذ المسألة الحيوانية اذ رفع الدبلوماسيون الأميركيون علم المثليين على مبنى سفارة بلادهم في موسكو, في حزيران الماضي ,بالتزامن مع بدء التصويت على حزمة التعديلات الدستورية، وإحدى هذه التعديلات تقترح "حماية مؤسسة الزواج كاتحاد بين الرجل والمرأة". حتى ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعلن بكل وضوح : "أن العائلة في روسيا لن تتألف من "والد رقم 1" و"والد رقم 2"، وأنها ستتألف فقط من "بابا وماما" ما دام هو رئيسا للبلاد".بينما في دول خليجية تقول بالاسلام دينا نصبت السفارات الاميركية فيها علم المثليين ولم تنبث "ببتة شفة",ما يطرح السؤال اذا كانت واشنطن ستفرض تشريعات على تلك الدول مقابل اصلاح علاقاتها معها .
هذه هي القواعد التي ينطلق منها ترامب لإعادة الهيمنة الاميركية على العالم واستعادة عالم بقطب اوحد , وبالطبع مع استخدام القوة الباغية أكان عبر القوة العسكرية وتوسيع انتشار القواعد , والابقاء على الاحتلال الاطلسي اينما كان , وهناك مؤشرات واضحة على ذلك سواء في سورية او العراق او افغانستان , وفي الاخيرة اعلان واضح حسب المتحدث باسم البنتاغون الذي قال أن الملف الشائك يمثله انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، المقرر في الشهر المقبل، سيكون على رأس برنامج المحادثات للحلف الاطلسي ، لكنه "لا يتوقع إعلان أي قرار"، مشيرا إلى أن "القائد الأعلى، أي الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، هو الذي يتخذ هذا النوع من القرارات".
او عبر القتلة الاقتصاديين , من خبراء البنك الدولي , او الشركات العابرة للقارات , التي تهدد باسم القوة العسكرية للاخضاع ,فيما العالم يدخل حقبة يمكن أن يطلق عليها جغرافيا قوة الافتصاد ونضوج حلم التحرر من الهيمنة الاميركية مع تراجع هيبة الترويع الاميركي لنزع السيادات الوطنية .